بقلم /عارف نبيه
كانت هضبة المقطم هي شقتها الواسعة، و التي ترددت عليها كثيرا لتجد فيها هواءا منعشا، و مكانا رحبا ، و نجوم تلمع في الفضاء، و ضوء قمر يعكس هدوءا و طمأنينة داخل النفس.. كل هذا جعلها تسترجع ذكراياتها و التي هي صفحة من صفحات التاريخ المصري.
جلست تتذكر ذاك التاج المزخرف بطاووس و زهور اللوتس تتوسطه زمردة نادرة وفي أعلاه ماسة ثمينة برسم قلب. ذاك التاج الذي أهدته إياها الملكة الأم ليلة زفافها،
و الذي كان عيدا للشعب فالمساجد و الكنائس و الشوارع و الميادين كانت تسبح في الترنيمات و الاضواء، و أصبح ليل القاهرة نهارا ممتد، حيث إرتدت الملكة الشابة ذات ال ١٧ عاما فستانا صنع خصيصا لدي أفخر بيوت الازياء الباريسية.
ذهبت بخيالها إلي أبعد من ذلك، عندما ساقتها الأقدار الي سويسرا برفقة العائلة الملكية، و هناك ولد حبها الملكي علي ظهر الباخرة (فيكتوري أوف أنديا) و التي أطلقت عليها فيما بعد زورق الحب.
تذكرت أيضا كيف كانت تهتم بالفقراء و اليتامي و المحتاجين، و من أجلهم كانت تقيم الحفلات الخيرية، و تذكرت أيضا ماكان يحدث داخل القصر من فساد و ما يحاك من مكائد، و جرأتها في عدم السكوت عما يخالف الذوق العام و مصلحة بلادها فقد حذرت زوجها الملك من أعداء الوطن المحيطين به، و أخبرته عن حفلات المجون التي كانت تقيمها الملكة الأم بالقصر.
لم تنسي منظر الدبابات البريطانية و هي تحاصر قصر عابدين، و لم تنسي كذلك كيف تعاطف الشعب المصري و جيشه مع الملك بعد هذا الحادث. و قالت : ” كانت فرصة ذهبية أمام الملك كي يجمع الشعب حوله، و لكنه و للأسف لم يفعل!! “
تذكرت لحظات إنفصالها و مغادرتها القصر بدون بناتها الثلاثة و تنازلها عن التاج و بكاء الملك من أجلها. و تبسمت حين علمت ان يوم طلاقها يوم خروج الشعب بتظاهرات تندد بالفساد و تهتف باسمها(فريدة) الذي أصبح رمزا للعفة و الطهارة.
ولم تنسي حين تنازل الملك عن العرش، فبعد أن سمعت ذلك من الراديو من شرفتها بقصر الهرم، نزلت إلي الشارع مسرعة و دخلت مكتبة و اشترت كتابا باللغة الفرنسية عن الثورة الفرنسية و مجموعة من أنابيب الألوان و مجموعات فرشاة، و قالت لنفسها. لأبدأ اليوم حياة جديدة ولكن هذة المرة مع الفن، و لكنها وجدت نفسها تبكي لأنها لم تتمكن من رؤية بناتها بعد أن أبحرت الباخرة المحروسة في عرض البحر.
تذكرت نشأتها بمدينة الإسكندرية الجميلة ذات الطابع الأوروبي الهادئ، و سمائها الصافية، و إنعكاس غروب الشمس علي مياة بحرها الزرقاء… كل هذة المتناقضات أثرت علي شخصيتها الفنية، فعملت علي مزج حاستها الفنية و معاناتها في الحياة فابدعت في رسم لوحات فنية بعد أن استوحت فكرة تغيير الإضاءة علي لوحاتها. و كانت باريس هي العاصمة التي أعلن فيها ميلادها الفني..
و بعد خروجها من القصر لم يتبق لها في هذة الدنيا سوي الرسم و الموسيقي، و إسترداد إسمها الأصلي (صافيناز) بعد أن صارت ملكة بلا تاج.