متابعة عادل شلبي
كتب الروائى القدير هانى موسى
طموحاته المادية الملحة والجامحة التى تملكت أغلب شباب قريته حين تغيرت
فيها الحياة بسرعة شبكات النت والمواصلات والفضائيات وحُلم تحقيق الثراء السريع والحياة الرغدة المترفة
كل ذلك كان يدور بخُلده ليل نهار حتى بات رافضاً الصورة الحقيقية لواقعه الذى أضناه منه عمل الفلاحة الشاق والاختلاط
بهؤلاء الفلاحين البسطاء الذين تقوقعت أحلامهم عند الثرى فلا تبرح أحلامهم حد المطالب الضرورية للعيش ….
…..ظن “وليد ” أن السعادة كلها فى الثراء وشراء العقارات والأطيان وشراء السيارة الفخمة باهظة الثمن مثلما
فعل كثيرون من أبناء قريته رغم ما سمعه عن ضحاياهم فى بحر المنايا
…لكن حلمه كان يدفعه دوماً إلى الفرار لتلك الجنة التى يُحكى عنها فى بلاد أصحاب البشرة البيضاء والشعر الأصفر والعيون
الملونة والملابس المتكشفة العارية وكأن هذا البحر فاصلاً بين جنة ونار بين واقع مرير وواقع تتحقق فيه الأحلام ..
…حمل حقيبته الصغيرة عله يعود وبها أحلامه الكبيرة وانطلق مع أصحابه فى رحلة المجهول وقبيل شواطىء إيطاليا
بآلاف الأميال أقدموا جميعاً على الانتحار وقدموا أرواحهم قربانا لأحلامهم التى ترعرعت بغير جذور ولا روح ولا حياة ….
تقبلت السماء لقاء بعض أرواحهم وأرجأت لقاء البعض الأخر ….
….لحسن حظه أنه ممن نجو وأصبح من اليوم وليد حياة جديدة عليه أن يكابد فيها زحفاً وراء مبتغاه فى دنيا كل ما ما يشغله فيها جمع المال
… صار يحصد الأحلام فى حقيبته التى جاء بها من قريته فكان إذا أدرك حُلماً فى رحلته الطويلة صارعه للبقاء هناك فى غربته حُلم أخر
…..وفى طريق أحلامه تساقطت من حقيبته أخلاق ومبادىء فطرته ومهد طفولته لكن بريق المال والأحلام كانت تربت
على كتفيه بكل حنان وتغلق عليه أى لحظة للإعتراف أو الوقوف مع الذات …..
…..عام وراء عام تناسى ” وليد” بأن هناك جسداً وروحاً تحمله أنثى لا زالت تنتظره لسنوات من الشوق المعربد بروحها وأنها مهما أهملت بذاتها انشغالاً بأمور معيشتها لكنها أنثى….
… تنام ليلها فى كدر و هّْم يُداعبها فحولة الشباب ورغبات الأنثى الغريزية التى أضّرمها شوقاً لقاءات الحب بذلك
التلفاز الذى تقضى أمامه أول ليلها وترى فى وجاهة وقوة الأبطال حلمها فتتسأل عن بطل قصتها هى…. أين هو ؟!!!
و لا يقدر على إطفاء تلك النيران المتأججة بداخلها غير هموم ومتاعب يومها الطويل
وحملها الثقيل الذى ينتظرها فى الغد حتى يُجّهز عليها و يُغّالبها النوم….
… وتعود بها عجلة الحياة صباحاً تبدأ عملاً وتنتهى شوقاً و ألماً كما هى حتى كاد يقتلها الملل والضجر
فتقف أمام المرآة
تتزين بأبهى صورة لعروس يوم زفافها فتسأل نفسها لمن أفعل هذا ؟!!
ثم تجلس فوق سريرها يداعبها الشوق الجامح لامرأة لم تعرف عن دينها غير الصلاة التى تؤديها كأى عمل فلا تجد غير
أن تضع ابنتها الصغيرة بين أحضانها لعل عاطفة الأمومة أقوى من أى شىء ينازعها
….وجاء هو ..هو .. كعادته عارضاً لخدماته مرتدياً أبهى ثياب الأخلاق النبيلة لصديق وفّى ْيعظ
وبسهامه المسمومة ظل يهمس فى أذنيها…… جارك ِ الأعزب نظراته تلاحقكِ و يُمنّى نفسه دائماً بعشقكِ…
.التليفون المحمول طريق يسير لحلم عنيد
لا.. لا.. تمنعت وقاومته خوفاً من الفضيحة… كيف أثق به ؟….
لا تقلقى مثلك لا يُقاوم
وهو لا يجد فى الخيانة أى غصة أو غضاضة
…ظل يهمز ويهمز لها ووثقت بجهلها فيه ورأت أن تحقيق غريزتها
الملحة هى كل أحلامها كأنثى كى تدب الحياة بروحها وجسدها الذاهب نحو الذبول
فكان ما كان وما أرشد به صاحب الغواء والهلاك …
….وفى يوم غابت شمسه وغضبت سمائه قررت أن تنتصر غريزتها البهيمية على عقلها الملائكى لتقتل رتابة أيامها قبل
أن تُقتل زهرة شبابها على صخرة الإياب لهذا الغائب المتعبد فى محراب أحلامه
…. قضيا نحباً من الدهر يتجرعا كأس الرذيلة حتى الثُمالة يأتى ظلام الليل ملطخة الأسّرة بإثمهما المعشوق
فلا تمر بخاطرتهما أى نوبة أو شعور بعقدة الذنب…..
أصبحت الرذيلة غايتهما و الخوف من الله لم يعد رادعاً لهما و غرتهما
حياتهما الدنيا وانكفئ الليل يبكى على آثامهما حتى جاء النهار وكشف بوجهِه سرهُما
….لم يدرى العائد يوماً من غربته أنه حتماً سيعود بحقيبة مليئة بأحلامه وأماله و لكن حقيبة أخرى من الآلام والأحزان
تنتظره و فضيحة ومصيبة كبرى قد هزت أرجاء قريتهم لُطخت بها حوائط منزله و عاراً بات ينتظره يضع المتاريس
فى طريق أبنائه وعائلته أينما ولْوا .
…فلم تمر ساعات حتى سمع أهل القرية صراخ وعويل قيل بأن الشرطة
أخرجت جثامين إمرأة وشاباً طفيا على سطح مياه البحر الصغير العابر شمال قريتهم تغتسلهما مياهه من الآثام والذنوب
وأن القاتل صار مجذوباً يحمل حقيبة يبعثر منها سنيناً من الاغتراب
فى الطرقات تتقاذفه بالحجارة أيادى الأطفال من بزوغ الشمس حتى إنقضاء النهار