كتب : أحمد شاكر
جريمة حضارية
بينما كان فريق من التتار يعمل على قتل المسلمين وسفك الدماء اتجه فريق آخر من التتار لعمل إجرامي آخر..
عمل ليس له مبرر إلا أن التتار قد أكل الحقد قلوبهم على كل ما هو حضاري في بلاد المسلمين.. لقد شعر التتار بالفجوة الحضارية
الهائلة بينهم وبين المسلمين؛ فالمسلمون لهم تاريخ طويل في العلوم والدراسة والأخلاق.. عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء
في كافة فروع العلم.. الديني منها والدنيوي.. لقد أثرى هؤلاء العلماء الحضارة الإسلامية بملايين المصنفات.. بينما التتار لا حضارة لهم.
. ولا أصل لهم.. إنهم أمة لقيطة.. نشأت في صحراء شمال الصين، واعتمدت على شريعة الغاب في نشأتها.. لقد قاتلت هذه الأمة
كما تقاتل الحيوانات.. بل عاشت كما تعيش الحيوانات.. ولم ترغب مطلقاً في إعمار الأرض أو إصلاح الدنيا..
لقد عاشوا حياتهم فقط للتخريب والتدمير والإبادة.. شتان بين هذه الأمة
وبين أمة الإسلام، بل شتان بين أي أمة من أمم الأرض وأمة الإسلام
.. وهذا الانهيار الذي رأيناه في تاريخ بغداد من المستحيل أن يمحو التاريخ العظيم لهذه الأمة العظيمة..
ماذا فعل مجرمو التتار؟!
لقد اتجه فريق من أشقياء التتار لعمل إجرامي بشع، وهو تدمير وإحراق مكتبة بغداد العظيمة..
وهي أعظم مكتبة على وجه الأرض
في ذلك الزمن.. وهي الدار التي كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في أكثر من ستمائة عام..
جمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون..
من علوم شرعية كتفسير القرآن والحديث والفقه والعقيدة والأخلاق، ومن علوم حياتية كالطب والفلك والهندسة والكيمياء
والفيزياء والجغرافيا وعلوم الأرض، ومن علوم إنسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والأدب والتاريخ والفلسفة وغير ذلك..
هذا كله بالإضافة إلى ملايين الأبيات من الشعر، وعشرات الآلاف من القصص والنثر.. فإن أضفت إلى كل ما سبق الترجمات
المختلفة لكل العلوم، الأجنبية سواء اليونانية أو الفارسية أو الهندية
أو غير ذلك علمت أنك تتحدث عن معجزة حقيقية من معجزات ذلك الزمان..
لقد كانت مكتبة بغداد مكتبة عظيمة بكل المقاييس.. ولم يقترب منها في العظمة
إلا مكتبة قرطبة الإسلامية في الأندلس.. وسبحان الله!!.
. لقد مرت مكتبة قرطبة بنفس التجربة التي مرت بها مكتبة بغداد!!!..
عندما سقطت قرطبة في يد نصارى الأندلس سنة 636 هـ (قبل سقوط بغداد بعشرين سنة فقط!!) قاموا بحرق مكتبة قرطبة تماماً..
وقام بذلك أحد قساوسة النصارى بنفسه.. وكان اسمه “كمبيس”، وحرق كل ما وقعت عليه يده من كتب بذلت فيها آلاف الأعمار
وآلاف الأوقات، وأنفق في سبيل كتابتها الكثير من المال والعرق والجهد..