وُلِدَ سعد بن أبي وقاص في مكة سنة 23 قبل الهجرة، نشأ سعدٌ في قريش من سادة العرب وأعزِّهم، واشتغل في بري السهام وصناعة القسيِّ، وهذا عمل يُؤَهِّل صاحبه للائتلاف مع الرمي، وحياة الصيد والغزو ، من الأوائل الذين دخلوا في الإسلام، وكان عمره عندئذ سبعة عشر عاما، ولم يسبقه في الإسلام إلا أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.
كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إذا رمى عدوًّا أصابه، وإذا دعا اللهَ دعاءً أجابه، وكان الصحابة يردُّون ذلك إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له: «اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمَيْتَهُ، وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ» يُعتبر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أول مَنْ رمى بسهم في سبيل الله، وأنه الوحيد الذي افتداه الرسول صلى الله عليه وسلم بأبويه؛ فقال له يومَ أحد: «ارْمِ سَعْدُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدًا بأبويه إلا سعدًا، فإني سمعته يوم أحد يقول: «ارْمِ سَعْدُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» وقد كان سعد يُعَدُّ من أشجع فرسان العرب والمسلمين، وكان له سلاحان: رمحه ودعاؤه، وكان مجاهدًا في غزوة بدر، وشارك في غزوة أحد، وتفرَّق الناس أول الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف سعد يُجاهد ويقاتل، فلمَّا رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يرمي جعل يُحَرِّضه ويقول له: «يا سَعْدُ؛ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». وظلَّ سعدٌ يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته.
وقد قاد سعد بن أبي وقاص المسلمين في معركة القادسية حيث خرج في ثلاثين ألف مقاتل، وكان عدد الفرس أكثر من مائة ألف من المقاتلين المدرَّبين المدجَّجين بأنواعٍ متطوِّرة من عتاد وسلاح،
ولَّاه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إمارة العراق، فراح سعد رضي الله عنه يبني ويُعمِّر في الكوفة، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين؛ فقالوا: «إن سعدًا لا يُحسن الصلاة». واستدعاه عمر رضي الله عنه إلى المدينة فلَّبى مسرعًا، ويضحك سعدًا حين علم بشكوى أهل الكوفة قائلاً: «والله إني لأُصَلِّي بهم صلاة رسول الله، أُطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين». وحين أراد عمر بن الخطاب أن يُعيده إلى الكوفة ضحك سعدٌ قائلاً: «أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أَنِّي لا أُحسن الصلاة؟!» وفضَّل البقاء في المدينة. وعندما حضرت عمرَ رضي الله عنه الوفاةُ بعد أن طعنه المجوسي جعل الأمر من بعده إلى الستة الذين مات النبي وهو عنهم راضٍ؛ وأحدهم سعد بن أبي وقاص، وقال عمر: إن وليها سعد فذاك، وإن وليها غيره فليستعن بسعد.
من مواقف سيدنا سعد بن أبي وقاص مع رسول الله ومع الصحابه
عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي أنه قال سعد بن أبي وقاص أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة. سعد بن أبي وقاص عن أبي عثمان النهدي قال: سعد بن أبي وقاص لم يبقَ مع النبيِّ ﷺ، في بعضِ تلك الأيامِ التي قاتل فيهنَّ رسولُ اللهِ ﷺ، غيرُ طلحة وسعدٍ. عن حديثهما. سعد بن أبي وقاص وعن علي بن أبي طالب قال سعد بن أبي وقاص ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدًا غير سعد؛ سمعته يقول: ارم فداك أبي وأمي، أظنه يوم أحد. سعد بن أبي وقاص وعن عائشة بنت أبي بكر قالت سعد بن أبي وقاص سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ: لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، قَالَتْ: فَبَيْنَما نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا جَاءَ بِكَ ؟ قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَامَ. سعد بن أبي وقاص عن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام قال: سعد بن أبي وقاص أقبل سعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خالي فليرني امرؤ خاله. سعد بن أبي وقاص قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَهُ إِذَا دَعَاكَ. سعد بن أبي وقاص عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال:«وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِي، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهِي وَصَدْرِي وَبَطْنِي، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا. فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَ يَدِهِ عَلَى صَدْرِي فِيمَا يُخَيَّلُ إِلَيَّ حَتَّى السَّاعَةِ.»
كان عمر سعد بن أبي وقاص طويلًا، وأفاء الله عليه من المال الكثير؛ لكنه حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية، وقال: «كفنوني بها؛ فإني لقيت بها المشركين يوم بدر، وإني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضًا». وكان رأسه بحِجْر ابنه الباكي، فقال له: «ما يُبكيك يا بني؟! إن الله لا يُعَذِّبني أبدًا، وإني من أهل الجنة». لقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرًا، كانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية، وكان آخر المهاجرين وفاة، ودُفِن في البقيع .