لواء دكتور/ سمير فرج متابعة عادل شلبى احتفلت مدينتي الحبيبة، بورسعيد، في الثالث والعشرين من ديسمبر، بعيد النصر، تلك المدينة التي عشت فيها أجمل أيام عمري، شهدت خلالهم تصدي بورسعيد الباسلة، وشعبها الشجاع، لهجوم الجيشين البريطاني والفرنسي، في العدوان الثلاثي، ضد مصرنا الغالية. وانتصرت بورسعيد، وأجبرت قوات بريطانيا وفرنسا على الانسحاب، ليدخل الجيش المصري إلى بلدتي الجميلة بورسعيد، يوم 23 ديسمبر 1956، ويُسّجل ذلك اليوم، في تاريخ مصر، بأنه “عيد النصر”. ورغم حداثة سني حينئذ، إلا أنني أذكر، بوضوح، مشهد اندفاعي، مع جموع شعب بورسعيد، لاستقبال طلائع الجيش المصري، عند مدخل مدينتي الحبيبة، التي حررت نفسها من قيود قوات الغدر الإنجليزية والفرنسية. ومنذ ذلك اليوم، صرنا نحتفل، كل عام، في بورسعيد بعيد النصر، باستقبال الرئيس جمال عبد الناصر، الذي كان يحرص على التواجد معنا في ذكرى ذلك اليوم العظيم، فكان يمر بسيارته المكشوفة في شوارع بورسعيد، التي يخرج كل أهلها، ويصطفوا على جنبات الطريق، لتحيته، حتى أن بعض كبار السن ممن لا يغادرون منازلهم، كانوا يخرجون في هذا اليوم لتحية الزعيم جمال عبد الناصر، قبل توجهه إلى ميدان الشهداء، لحضور طابور العرض العسكري. وكنت وأنا طفل صغير، أقف لمتابعة هذا العرض العسكري، والتصفيق لجنود بلادي، وقررت يومها أن أصبح ضابطاً في القوات المسلحة، ولم أكن أدري أنني بعد تخرجي في سلاح المشاة، سيقرر قائد كتيبتي، أن أحمل علم الكتيبة، في طابور العرض، أمام الرئيس جمال عبد الناصر، في مدينتي الحبيبة بورسعيد، يوم الاحتفال بعيد النصر. كان العدوان الثلاثي قد بدأ على مصر في عام 1956، في أعقاب انسحاب القوات البريطانية من مصر، بموجب اتفاقية الجلاء، الأمر الذي جعل بريطانيا تسحب قواتها من منطقة قناة السويس، بعد احتلال دام 72 عاماً لمصر، وتترك السيطرة على أهم ممر ملاحي حيوي في العالم، بعدها جاءت الضربة الثانية من الزعيم جمال عبد الناصر، بتأميم قناة السويس، رداً على رفض البنك الدولي تمويل بناء السد العالي، ذلك القرار الذي أسعد شعب مصر وبورسعيد، بينما أصاب بريطانيا وفرنسا بصدمة كبيرة. وتصاعدت الأحداث حين انسحب المرشدون الأجانب من العمل في القناة، لإظهار عدم قدرة مصر على إدارة القناة، إلا أن يقظة وعزيمة المرشدون المصريون، ومعهم المرشدون اليونانيون، أفشلوا مخططهم بنجاحهم في إدارة القناة. وعليه قررت إسرائيل وإنجلترا وفرنسا شن العدوان الثلاثي، الذي بدأ بهجوم إسرائيل على قواتنا في سيناء، يوم 29 أكتوبر 1956، لتتخذ فرنسا وإنجلترا من ذلك ذريعة لشن هجومهما على مصر، بحجة تأمين القناة، وبذلك تعود القوات البريطانية للسيطرة على منطقة القناة، التي خرجت منها بعد التوقيع اتفاقية الجلاء عام 1954، بينما الهدف الأكبر من هذا الهجوم الثلاثي، كان الانتقام من عبد الناصر، بسبب إجلاءه للإنجليز من مصر، وتأميمه لقناة السويس، فضلاً عن مساندته لثورة الجزائر. وفي يوم 30 أكتوبر 1956، أصدرتا فرنسا وإنجلترا إنذاراً لمصر وإسرائيل، لوقف القتال، والانسحاب لمسافة عشرة كيلو مترات من القناة، لرفع التهديد عن الملاحة العالمية، ولما رفضت مصر ذلك الإنذار، استيقظنا، في صباح 31 أكتوبر 1956، في منزلنا، في بورسعيد، على صوت قصفات الأسطول البحري الإنجليزي والفرنسي لمدينتي الحبيبة. ورأيت من شرفة منزلنا في بورسعيد، قوات مظلات البريطانية، تهبط في مطار الجميل، فناديت والدي، رحمة الله عليه، ليرى ما يحدث، فانطلق يدير المذياع على محطة BBC، فسمعنا الإنذار الموجه إلى شعب بورسعيد لإخلاء مساكنهم القريبة من شاطئ البحر، واللجوء إلى المخابئ، تجنباً لقصف المدينة. وفي نفس اللحظة انتفض أهالي بورسعيد، وبدأت المقاومة الشعبية، بالاندفاع إلى مطار الجميل، ونجحوا في إبادة الفوج الأول من قوات المظلات البريطانية. وبدأ الغزو الفرنسي والبريطاني، حيث تولت القوات البريطانية الهجوم على بورسعيد، بينما هاجمت القوات الفرنسية مدينة بورفؤاد، وتصدت لهما المقاومة الشعبية، لمدة ثلاثة أيام كاملة، حتى جاء يوم 2 نوفمبر، حين صدر قرار مجلس الأمن بإيقاف إطلاق النار، وانصاعت القوات البريطانية والفرنسية للقرار. وفي هذا اليوم، وفور توقف إطلاق النار، صحبني والدي للتوجه لمنزل جدتي، في شارع الثلاثيني، للاطمئنان عليها، وفي طريقنا إليها، شاهدنا على كل ناصية شهداء المقاومة الشعبية، وسط دمائهم الطاهرة، ووصلنا ميدان المحافظة، فرأينا كل مبانيه محروقة بنيران النابلم، التي قذفتها الطائرات البريطانية والفرنسية. والحقيقة أنه خلال فترة وجود القوات الغازية في بورسعيد، وحتى تاريخ انسحابهم في 23 ديسمبر، لم تهدأ عمليات المقاومة الشعبية، وأوجعتهم ضربات الفدائيين المصريين بشدة، والتي كان منها عملية اختطاف الضابط البريطاني مور هاوس، ابن عم ملكة بريطانيا، وكذلك اغتيال ضابط المخابرات البريطاني ويليامز. وتحولت أيامهم، ولياليهم، في معسكرات القوات البريطانية والفرنسية إلى أسود أيام حياتهم، فلم تكن ليلة تمر، إلا ووقد أسخنتهم المقاومة الشعبية بعملياتها الفدائية، حتى انسحبوا يوم 23 ديسمبر 1956، حاملين على جباههم عار هزيمتهم أمام شعب بورسعيد. ومنذئذ، صارت ذكرى هذا اليوم، عيداً لنصر مصر، عامة، وشعب بورسعيد خاصة، ضد أعتى القوى العالمية، في ذلك الوقت؛ بريطانيا العظمى وفرنسا، ولازلنا نقص تفاصيل ذلك النصر لأبنائنا وأحفادنا، ليفخروا بقدرة المصريون على سطر فصولاً من نور في تاريخنا الغالي.