لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة عادل شلبى
عندما قامت الحرب العالمية الثانية، صحيح أنها نشبت بين بعض دول نص العالم في أوروبا وآسيا، إلا أن هناك دول أخرى في العالم ربما لم تسمع بها أو تتأثر بها مثل بعض دول أفريقيا، لكن الآن، فإن الحرب الروسية الأوكرانية، رغم أنها حرب محلية، وليست عالمية بين دولتين فقط، إلا أن تأثير هذه الحرب هو تأثير عالمي، ولقد أثرت هذه الحرب على كل دول العالم الفقيرة و الغنية، حتى لو كانت بعيدة، بملايين الكيلومترات.
والتأثير الرئيسي، بالطبع، كان التأثير الاقتصادي، فلقد كان اول هذه التأثيرات، النفط، الذي يتدخل في كل جزء من حياتنا اليومية، لذلك ارتفعت الأسعار في كل مكان سواء بسبب ارتفاع أسعار النقل التي أدت لارتفاع السلع، كذلك بدخول النفط في صناعات عديدة أثرت بالطبع في اسعارها. كذلك ارتفعت أسعار الكهرباء، وأصبحت فاتورة الكهرباء مشكلة لكل أسرة في أنحاء المعمورة. ولأن الكهرباء تؤثر على التدفئة، فأن الشتاء أصبح مخيفا وبالذات لدول أوروبا. خاصة أن روسيا أصبحت تستخدم الغاز كسلاح ضد الشعوب الأوروبية في هذا الشتاء، كما أن الكهرباء والوقود هما أساس تشغيل المصانع فكان ارتفاع أسعار الكهرباء أدى لارتفاع أسعار جميع المنتجات الصناعية في العالم. وهنا تأثر بها الغني والفقير في الدول الصناعية وغير الصناعية.
وجاء التأثير الثاني، وهو الحبوب، ونقصد بها القمح والذرة، التي هي غذاء شعوب العالم من الفقير والغني. ولكن كان أكبر تأثير على شعوب دول العالم الثالث، التي حياتها القمح والذرة، حتى أن الذرة وهي علف الحيوانات والطيور، فلقد تأثرت بتبعيتها اللحوم، بعد رغيف العيش للبسطاء. وجاء التأثير الثالث في الأسمدة لأن نقص وجود الأسمدة للدول التي تزرع محاصيلها فلقد أثر ذلك في النهاية على قلة زيادة المحاصيل التي تنتجها الأرض الزراعية، لذلك قل المعروض، وزاد السعر.
وعلى الاتجاه الآخر نتيجة لزيادة هذه الأسعار، ظهرت المشكلة في الوسائط الصناعية والرقائق المعدنية المغذية للصناعات في كل أنحاء العالم، بدءا من السيارات، والأجهزة الكهربائية، والإلكترونية، ومن هنا أصبح الجميع يشتكي من ارتفاع الأسعار في كل المجالات، وربما جاءت هذه الحرب، بعد جائحة الكورونا، ثم تأثيرات المناخ والجفاف، التي اثرت على العديد من البلاد والمناطق في العالم، خاصة إن احتمالات التدخل للقضاء على تأثيرات المناخ لن تظهر إلا بعد عدة سنوات، لذلك فإن العالم كله حاليا يعيش في أواني مستطرقة، الكل يتأثر بالكل، وليس دولة بعينها، أو شعوب بعينها.
من هنا، ظهرت فكرة هل هناك رسم جديد لخريطة العلاقات الدولية في العالم من خلال تذبذب العلاقات وموازين القوى، حيث أصبحت الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي تعمل في اتجاه، ضد روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا. وبين روسيا، وبعض الدول المؤيدة لها، وجاء قرار الاتحاد الأوروبي، بأن يكون سعر سقف البرميل الغاز الروسي لا يزيد عن 60 دولارا، الأمر الذي رفضته روسيا تماما، وأعلنت أنها سوف تجد أسواق جديدة خارج الدول الأوروبية التي لن تنفذ تحديد سقف برميل الغاز الروسي، وكانت الضربة القادمة ضد أمريكا والاتحاد الأوروبي هو موافقة الصين أكبر مستورد للنفط في العالم بانها ستشتري برميل النفط الروسي ب65 دولار أي اغلى من سقف السعر الذي حدده الاتحاد الأوروبي، كذلك الهند، و صحيح انها اقل من السعر الذي فرضته روسيا إلا انها كانت ضربة قوية للاتحاد الأوروبي
وفي الاتجاه الآخر، جاء قرار دول الأوبك بتخفيض الإنتاج، وبالتالي، كان ذلك القرار ضد رغبة الولايات المتحدة التي طالبت بزيادة الإنتاج لتغطية النقص في النفط الروسي لدول أوروبا، الأمر الذي اعتبره البعض خروج دول الأوبك عن السيطرة الأميركية، و اعقب ذلك زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية، بإجمالي حوالي 110مليار ريال، وتوطيد علاقاته مع دول الخليج والدول العربية، لتؤكد أن هناك تغييرا كبيرا في رسم خريطة العلاقات الدولية، بسبب ما يشهده العالم حاليا من تذبذب في العلاقات وموازين القوى، بسبب تأثر الجميع بالأحداث، والتي أقول عنها أننا في نظرية الأواني المستطرقة، الكل يعاني، والكل يقاسي، وأصبحت المصالح الاقتصادية أساس التحالفات في الفترة القادمة، التي تظهر بوادرها مع العام الجديد 2023.
ولقد جاءت القمة العربية الصينية، والقمة المصرية الصينية، في الرياض الاسبوع الماضي، لتؤكد ان هناك تغييرا جديدا في ميزان القوى في العالم، حيث حرصت مصر على تطوير التعاون المشترك مع الصين، على مختلف الأصعدة، سواء داخل الاطار العربي الجماعي، او في الاطار الثنائي، من خلال الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، خاصة التكامل القادم بين الدولتين في اطار المبادرة الصينية، الحزام والطريق، التي مصر جزء اساسي فيها، في الطريق البحري لممر قناة السويس، كذلك حرص الرئيس السيسي على تشجيع الشركات الصينية، في تعظيم استثماراتها في مصر، لاسيما في مجال هام جدا جدا، وهو توطين التصنيع، ونقل التكنولوجيا الفنية الى مصر. وهكذا فان التطوير العلاقة الصينية مع مصر ستكون لها دور قوي في الفترة القادمة، ليس على مصر فقط، لكن في العالم العربي، وافريقيا، وبالتالي بنظرية الاواني المستطرقة، فسيعم الخير على الجميع.
والذي يراقب ايضا الصراع الصيني الامريكي في منطقة بحر الصين، الذي يمكن ان يؤثر ذلك صراع، بلا شك، على مختلف دول العالم، خاصة ان الصين تنتج معظم الصناعات لمغذية لدول أوروبا، وفي حالة حدوث اي توتر هناك، سيؤثر ذلك، بلا شك، على الوضع الاقتصادي العالمي. ولقد حبس العالم كله انفاسه خلال زيارة بيلوسي رئيسة الكونجرس الامريكي لتايوان، حيث ضبطت الصين تصرفاتها في التعامل مع هذه المشكلة، والا كان ذلك سيؤدي الى تدخلات عسكرية، سيؤثر بالطبع على الاقتصاد العالمي، لذلك كان التصرف الصيني حكيما في ادارة تلك الازمة حيث مرت بسلام.
وعودة لأعمال القتال والحرب بين روسيا واكرانيا فان الجميع يسأل، متى ستنتهي هذه الحرب؟ ومتى سينتهي ارتفاع الأسعار؟ ومتى تنتهي البطالة؟ ومتى تحصل الدول الفقيرة على حقها من رغيف العيش الآمن؟، وتنتظر روسيا نتائج حرب الغاز التي تفعلها على دول أوروبا، وهل ستكون نتائج حرب الغاز قد حققت أهدافها؟ واجبرت شعوب اوروبا حكوماتها على وقف دعم أوكرانيا؟ والبحث عن حل سلمي لهذه الاتفاقية. وإذا لم تنجح حرب الغاز في تنفيذ أهدافها، فإنه من المنتظر، ان تستكمل روسيا عمالياتها العسكرية في الربيع القادم، نحو الاستيلاء على الكثير من الاراضي الأوكرانية، واستكمال تدمير البنية التحتية الأوكرانية، وتستمر معاناة دول العالم في ارتفاع الأسعار، والبطالة، ورغيف العيش، لأننا نعيش في الاواني المستطرقة