السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، هي ثالث زوجات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهي حبيبة قلبه، وهي البِكْر الوحيدة التي تزوجها عليه الصلاة والسلام، ثم غدت الفقيهة العالمة العطوفة الشجاعة أمّ المؤمنين. السيدة عائشة رضى الله عنها من قبيلة قريش…… أفقه نساء المسلمين، وأعلمهنّ بالدين والأدب، كانت تكنى بأم عبد الله، تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية بعد الهجرة، فكانت أحبّ نسائه إليه بعد السيدة خديجة، وأكثرهنّ رواية للحديث عنه، ولها خطب ومواقف، روي عنها 2210 أحاديث، ولبدر الدين الزركشيّ كتاب (الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة)، ولدت سنة 9 قبل الهجرة، وتوفيت سنة 58ه. السيدة عائشة أم المؤمنين وزهرة النساء وعنوان الخير، وهي الطاهرة العفيفة النقية الرضية. السيدة عائشة علّمت ما تعلمت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت تدرّس الرجال والنساء، فصوت المرأة ليس عورة، بل كان كبار الصحابة يسألونها عن الفرائض فتجيبهم، وكان لها دور مهم جدًّا في نقل أحكام النساء حتى قيل: ربع أحكام الإسلام فيما يتعلّق بالنساء عن طريقها، وأكثر من هذا كانت تنقل شكوى النساء وحاجاتهن وأسئلتهن لرسول الله عليه الصلاة والسلام. السيدة عائشة خرجت يوم الجمل للإصلاح، ولم تخرج لقتال الخليفة الذي بايعه أهل العقد والحل، الإمام علي عليه السلام، وكانت معصيتها أنها وقفت في المعسكر المواجه للخليفة المنتخَب الذي لم يكفر ولم يفسق، وقد أعادها الإمام علي معززةً إلى دارها، ثم لزمت بعدها بيتها في الغالب حتى ماتت. ويذكر التاريخ بحروف من نور مواقفها العظيمة …ولا ننسى أن السيدة عائشة رضى الله عنها خرجت يوم أحد لمساعدة الجيش، وعملت في سقاية الناس. كانت السيدة عائشة رضى الله عنها مشهورة بالفصاحة والبلاغة وقوة التعبير. كانت السيدة عائشة مدافعة عن حقوق المرأة ومكانتها، وناصحة للمرأة بالتزام السنة النبوية، لا تخاف في الله لومة لائم. وهناك قصتان عنها رضي الله عنها: 1_ روى النسائي في سننه، عن عائشة قالت: كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقك فتبيني مني ولا آويك أبدًا، قالت: وكيف ذاك؟ قال: أطلقك، فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك. فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها، فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلًا من كان طلق ومن لم يكن طلق. 2_ روى النسائي في سننه، عن عائشة أن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة، قالت: اجلسي حتى يأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها فقالت: يا رسول الله، قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكني أردتُ أن أعلمَ هل للنساء من الأمر شيء؟ عائشة امرأة مرجعية في العمل الاجتماعي، والكرم الإنساني، وسبب في إصلاح ذات البَيْن في المجتمع، ومثال للداعية العارفة بأمور الدين تلقيًا من زوجها وسيد العالمين محمد عليه الصلاة والسلام، والراوية عن لسانه أحاديثه الشريفة. …السيدة عائشة رفيقة زوجها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في بعض الأسفار، ومعينة له على مهمات الدهر، والصابرة يوم حادثة الإفك التي برّأها الله منها بآيات قرآنية …السيدة عائشة زوجة النبي عليه الصلاة والسلام إلى آخر لحظة من عمره، توفي بين يديها، وهو في حِجْرها، وقد استأذن قبلُ من زوجاته أن يُمرَّض في بيتها. السيدة عائشة الجريئة المحتسِبة التي كشفت الستارة وخرجت تعلم الصحابة الخبر المحزن: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. السيدة عائشة أكملت حياتها في حُجْرتها حيث توفي زوجها ثم دُفن قربه بعده أبوها الصديق أبو بكر، وغادرت الحجرة بعد استشهاد الفاروق عمر ودفنه قرب صاحبيه، وقد استأذن منها في حياته فآثرته على نفسها. دُفن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في الموضع الذي توفي فيه، وهو حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها. روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وصلى الناس عليه أفرادًا لا يؤمهم أحد، فقال ناس: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: يدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله يقول: “ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه”، فحفر له فيه. عائشة رأت في منامها قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أقمار سقطن في حجرتها، فلما مات الرسول صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال لها أبو بكر: هذا أحد أقمارك وهو خيرها. وفي رواية ذكرها الحافظ ابن حجر في المطالب العالية أن أبا بكر قال لها: يُدفَن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن قال أبو بكر: يا عائشة، هذا خير أقمارك، وهو أحدها. ثم مات أبو بكر رضي الله عنه ودفن إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد أن طُعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له بعض الأطباء: أوصِ، فقال: استأذنوا عائشةَ في أن أدفن في بيتها، فسألوها فأذنت من طيب نفسها، فدفن إلى جانب أبي بكر رضي الله عنهما. وفي إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للحافظ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري بإسناده عن عمرو بن ميمون أنه سمع عمر رضي الله عنه وهو يقول لابنه عبد الله: “يا بني، لقد كنت استأذنت أم المؤمنين عائشة في أن أدفن في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر”. ودلّ ما سبق على مشروعيّة دفنه صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة حيث قبض، واستحسان كل الصحابة والمسلمين ذلك إلى يومنا هذا بلا منازع، فالمسألة محل إجماع. السيدة عائشة مدفونة في بقيع الغرقد قرب المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة أول المقبرة. السيدة عائشة من أحبّ الناس إلى قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن فُضليات نساء العالمين، ولها محبة في قلوب المؤمنين على مر التاريخ. رضي الله عن أمنا عائشة وعن أمهات المؤمنين زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
مراجع للتوسع: _ سير أعلام النبلاء، محمّد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبيّ، تحقيق مصطفى شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2007، 3/ 146 وما بعدها، رقم الترجمة19. _ الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، 12/ 255. _ الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط10، 1992، 3/ 240 وما بعدها.