بدأت القصة باجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وذلك لمناقشة موازنة وزارة الدفاع، في عامها الجديد، من خلال استعراض مؤشراتها، ومقارنتها بالأعوام الثلاثة السابقة، للتعرف على حجم التغير ونسبته، سلباً كان أو إيجاباً. ففوجئ السيد الرئيس بارتفاع تكاليف إدارة الخدمات الطبية للقوات المسلحة، بنسبة كبيرة، تتفوق عن متوسطات الأعوام السابقة، وبالاستفسار عن أسباب تلك الزيادة، عرف سيادته بأنه نتيجة لتضاعف أسعار الأجهزة الطبية، كأجهزة الأشعة بأنواعها، وأجهزة المعامل، وأجهزة التعقيم، وغيرهم، المسئول عن توريدهم أحد الشركات الألمانية.
وعلى الفور أصدر السيد الرئيس قراره بتشكيل لجنة، من 10 أعضاء، برئاسة اللواء طبيب بهاء زيدان، مدير مجمع مستشفيات الجلاء للقوات المسلحة، للسفر إلى ألمانيا والتفاوض مع عدد من الشركات لتدبير كافة مطالب القوات المسلحة من الأجهزة والمعدات الطبية. وسافر أعضاء اللجنة لتنفيذ مهمتهم، في أسرع وقت، وفاوضوا، بالفعل، عدد من الشركات الألمانية، بما فيهم الشركة المتعاقد معها، كما تواصلوا مع ممثلي الشركات الفرنسية والبريطانية واليابانية، والصينية، المنتجين لنفس المعدات الطبية، وحصلوا منهم على أسعار تنافسية، خاصة من الصين. وما أن عادت اللجنة للقاهرة، حتى حصلت على عرض جديد من الشركة الألمانية، بتخفيضات وصلت لنحو 40% على معظم الأجهزة.
وقد يتعجب البعض من نسبة التخفيض الكبرى، ولكنها، في الحقيقة ترجع لعدة أسباب، أولها إلغاء عمولة وكيل الشركة في القاهرة، نتيجة للتعامل المباشر، ثانياً إدراك الشركات الألمانية لجدية مصر في التوجه لأسواق منافسة، وهو ما رد به مسئولي اللجنة على ممثلي الشركة الألمانية عندما قارنوا تفوق سنوات ضمانهم السبع، على الصين التي لا تتيح أكثر من خمس سنوات فقط، بأنه في ظل التطور المتسارع للمنتج الألماني، نجد أنفسنا مضطرين للتخلي عن مدة الضمان في سبيل ملاحقة تطوره. وهكذا استجاب الجانب الألماني للمفاوضات، وقدم أسعاراً جديدة، لضمان المحافظة على عملاؤه.
وعندما أمر السيد الرئيس السيسي بتدبير 1000 حضانة للأطفال، حصلت اللجنة على تخفيض قدره 60%، تم الاستفادة منهم في تأمين كافة مستشفيات وأقسام الاطفال في مصر، وهي نفس نسبة التخفيض التي حصلت عليها اللجنة، مرة أخرى، عند شراء 1000 جهاز تعقيم، لعيادات الأسنان، ضمن حملة مكافحة فيروس سي، الذي يعتبر سوء التعقيم، واحداً من أهم مسبباته. كما نجحت اللجنة في التفاوض على أسعار أجهزة التحاليل، لصالح وزارة الصحة، وبعدما كانت الشركات الألمانية قد قدمت عرضها بقيمة 3 مليار جنيه، تم الحصول على تخفيض وصل لنحو 35% في السنة الأولى، ثم إلى 25% في السنة الثانية.
وبعد نجاح هذه اللجنة في تدبير مطالب القوات المسلحة المصرية، ووزارة الصحة، أصدر الرئيس السيسي قراره رقم 151 لسنة 2019، بإنشاء هيئة لتدبير كافة المستلزمات الطبية لمصر، سواء للقوات المسلحة أو وزارة الصحة، أو المستشفيات الجامعية، المعتمدة على التبرعات، والتي أمر الرئيس السيسي بتوفير تمويل لها من خلال صندوق تحيا مصر، للاستفادة من أسعار الشراء المجمع، على أن تقوم برد الأموال فور تدبيرها. كما وجه السيد الرئيس بضرورة وجود احتياطي استراتيجي من الأدوية والأجهزة الطبية، وهو ما كان أحد أهم القرارات، إذ هاجمنا وباء كورونا، بعدها بشهرين، وتمكنت مصر، بفضل من الله، ثم بفضل قراراتها الحكيمة، من التصدي لتلك الجائحة والصمود أمامها، بالاعتماد على احتياطيها الاستراتيجي.
واعتماداً على نجاح تلك الهيئة، واتصالاً بجهود استراتيجية عودة مصر إلى أفريقيا، فقد وجه الرئيس السيسي بتقديم العديد من المبادرات الصحية لعدد من الدول الأفريقية، ثم وفي الفترة من 5 إلى 7 يونيو، انعقد المؤتمر الطبي الأفريقي الأول، تحت رعاية وبتشريف السيد رئيس الجمهورية، وأشرفت على تنظيمه هيئة الشراء الموحد، برئاسة اللواء طبيب بهاء زيدان، تعرفت خلاله الوفود الأفريقية على المبادرات الطبية التي نفذتها مصر، خاصة في مجالات رعاية الأطفال، ورعاية صحة الأم الحامل، ومبادرة نور العيون لأطفال المدارس، وملحمة القضاء على فيروس سي، ومبادرة علاج ضعف وفقدان السمع للأطفال حديثي الولادة، وتجربة القضاء على قوائم الانتظار في العمليات الجراحية، ومبادرة الكشف المبكر عن الأورام للسيدات.
والحقيقة أن المؤتمر حقق أهدافاً كثيرة، منها فتح أسواق جديدة للشركات المصرية العاملة في ذلك المجال، مع ضمان وصول هذه المنتجات الطبية بالمواصفات العلمية الدقيقة للدول الأفريقية، للمساعدة في الارتقاء بمستوى الرعاية الصحية فيها، فضلاً عن الاتفاقات على توريد الأدوية المصنعة في مصر، إلى دول أفريقيا، بعدما زارت وفودها مصانع الدواء المصرية. واعتماداً على نجاح التجربة المصرية في الشراء الموحد للأجهزة الطبية، فقد طلبت العديد من الدول الأفريقية مساعدة مصر لتنفيذ الفكرة. واستشهد هنا بمقال الدكتور خالد فتحي، الأستاذ بكلية الطب، في الرباط، كتبه بمجلة الأهرام العربي مشيداً فيه بالمؤتمر الطبي الأفريقي الأول، الذي رفع مكانة مصر أمام الأفارقة والعرب، وفتح لهم أبواب الأمل لاستلهام تجربة فعلية في مجال الصحة، نجحت في القضاء على العديد من الأوبئة والأمراض المزمنة، وأصبحت نموذجاً يحتذى به.
وهكذا تعرفنا على قصة نجاح مصرية لا يعرفها الجميع، بدأت فكرتها في اجتماع هام، منذ عامين، واليوم نرى بصماتها في كافة مستشفيات مصر العامة … إنها هيئة الشراء الموحد … أحد أهم أذرع تحقيق الأمن الطبي للمواطن المصري.