وكأن العالم يأبى أن ينهي الحروب والتوترات الجارية، حالياً، فعلى الرغم من محدودية الحرب الروسية الأوكرانية بين دولتين، إلا أنها تحولت لحرب عالمية، بتأثيراتها الاقتصادية، التي طالت كافة دول العالم، وبالأخص دول العالم الثالث. تلك الحرب التي اندلعت نتيجة عزم أوكرانيا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما يعني تواجد قوات الحلف، بأسلحتها، وصواريخها، حتى النووية منها، على الحدود المباشرة لروسيا، وهو ما لم يقبله الرئيس الروسي بوتين، تماماً مثلما رفضته الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 1962، فيما عُرف باسم “أزمة الصواريخ الكوبية”، عندما قامت كوبا، الملاصقة حدودياً للولايات المتحدة الأمريكية، بالسماح بوجود صواريخ تابعة للاتحاد السوفيتي على أراضيها، ليعلن، يومها، الرئيس الأمريكي جون كينيدي، عن استعداده لمحو كوبا، من الوجود، وأمر برفع درجة استعداد قواته النووية، لتنتهي الأزمة بعد 14 يوماً، بسحب الاتحاد السوفيتي لصواريخه من كوبا.
وفي تذكرة بالتاريخ، وأمام إصرار أوكرانيا على الانضمام لحلف الناتو، وما يستتبعه من وجود قوات للناتو، وصواريخه، على دولة لها حدود مشتركة مع روسيا، قرر بوتين، يوم 24 فبراير الماضي، الهجوم على أوكرانيا، ومنعها بالقوة. وبعد ثلاثة أشهر، لازال العالم يتابع مجريات تلك الحرب، التي تركز فيها روسيا، الآن، على الاستيلاء على دونباس، بالكامل، والوصول لميناء أوديسا، لحرمان أوكرانيا من موانئها على بحر آزوف، والبحر الأسود، وسط أزمة اقتصادية، طاحنة، طالت العالم بأسره، خاصة في إمدادات الطاقة والغذاء. وبينما تتطلع شعوب العالم إلى انتهاء تلك الحرب، أملاً في الاستقرار الاقتصادي، إذ نفاجأ بإعلان فنلندا والسويد رغبتهما في الانضمام للناتو، منهيين حقبة من الحياد بين كافة المعسكرات الدولية.
وحلف شمال الأطلسي، هو تحالف عسكري دفاعي، شكلته 12 دولة، عام 1949، من بينها الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، لمواجهة التوسع السوفيتي، آنذاك. وتنص المادة الخامسة من معاهدته على مبدأ الدفاع الجماعي بين أعضاؤه، البالغ عددهم، اليوم، 30 دولة، وهو ما يعني أن تعرض أي من دوله الأعضاء إلى هجوم عسكري، تقوم باقي الدول الأعضاء بالدفاع عن هذه الدولة. وانضمام دولتين جديدتين، إلى حلف الناتو، من شأنه إحداث تغير في موازين القوى بين روسيا والناتو، الذي ستزداد قوته عن أي وقت مضى، إضافة إلى ما تمثله هذه الخطوة من خسارة فادحة لموسكو، على المستوى الجيوسياسي، وتهديد، مباشر، لأمنها القومي، إذ تشترك فنلندا في حدودها مع روسيا، بطول 1300 كم. وفي أول رد فعل، قامت روسيا بقطع إمدادات الكهرباء والغاز عن فنلندا، وسط ترقب دولي للخطوات الروسية المحتملة، على ذلك القرار الذي تحاول الدولتان الانتهاء من إجراءاته، على عجل، قبل انخراط روسيا في أي عمل عسكري ضدهما.
ومن وجهة النظر الاستراتيجية، فإن انضمام فنلندا والسويد، يعني زيادة حالة الاستقطاب، المصحوبة بارتفاع مخاطر الصراع الدولي، الذي سيبلغ ذروته بانتشار الأسلحة المتقدمة لدول حلف الناتو بمواجهة روسيا، على طول الحدود الفنلندية البالغة 1300كم، خاصة في حالة وجود الأسلحة النووية، ولاسيما الأسلحة النووية التكتيكية. ومن وجهة نظري، التي أعلنتها من خلال موقع سكاي نيوز عربية، وتم نشرها في كافة وسائل الإعلام، فإن انضمام فنلندا للناتو سينعكس سلباً على روسيا، وسيربك حساباتها، ويضعها في موقف صعب للغاية، نظراً لأن طول الحدود المشتركة بين فنلندا وروسيا، سيمكن قوات الناتو من حصار روسيا، وهو ما قد يجبرها على إنهاء عملياتها العسكرية في أوكرانيا، تجنباً لنزيف الخسائر، مع إسراع الخطى نحو التوصل لاتفاق سلام، خاصة وأن أوكرانيا قد رضخت لعدم الانضمام لحلف الناتو.
ورغم أن فنلندا والسويد ليستا محايدتين، تماماً، مثلما هو الحال بالنسبة لسويسرا، إذ تعتبر الدولتان من أكثر الدول الشركاء للناتو، مع احتفاظهما بعلاقات متوازنة مع روسيا، إلا أن قرارهما بالانضمام للناتو، جاء رداً على الحرب الروسية في أوكرانيا. ولقد حاولت تركيا استغلال ذلك الموقف سياسياً، بالتلويح باستخدام حق الفيتو، تطبيقاً لميثاق حلف الناتو، الذي يكفل لأعضائه استخدام ذلك الحق، ضد انضمام أي دولة للحلف، من خلال إعلان أنقرة تحفظها، في البداية، على انضمام الدولتين، معللة ذلك برغبتها في تجنب أخطاء الماضي، عندما وافقت على انضمام اليونان، عدوها اللدود، إلى الناتو.
وقد صرحت تركيا أنها ترى السويد وفنلندا، حالياً، بمثابة “بيوت الضيافة للمنظمات الإرهابية”، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني (BBK)، ومنظمة جولن، أعداء أنقرة، الحاليين، للضغط، من ناحية، على كل من السويد وفنلندا، لطرد هذه العناصر من بلادها، ومن ناحية أخرى، لمساومة الولايات المتحدة لإعادة صفقة الطائرات المقاتلة F35، مع تركيا، التي كانت قد ألغتها، فرضاً للعقوبة على تركيا بعدما تعاقدت الأخيرة على منظومة الصواريخ الروسية S400. وكالعادة ستتراجع تركيا عن موقفها من منع السويد وفنلندا من الانضمام لحلف الناتو، بعدما تكون قد استغلت الأزمة العالمية، لتحقيق أكبر مكاسب سياسية لها.
وفي تلك الأثناء، سيبقى العالم في حالة متابعة وترقب وتحليل لما ستسفر عنه الفترة القصيرة القادمة … ويبقى السؤال “هل ستتغير موازين القوى بالفعل؟!”