متابعة عادل شلبى أنا فرانسوا فولتير ولدت فى باريس ١٦٩٤م، ورحلت عن عالمكم ١٧٧٨م عن عمر ٨٤ سنة. هاجمت الخرافات، التعصب والفساد بسخرية ولسان لاذع، مرت على فرنسا أزمة اقتصادية، حتى باع لويس الرابع عشر نصف خيوله، كتبت: كان من الأنفع لفرنسا لو أنه باع نصف الحمير الذين فى البلاط! طردونى من فرنسا، ذهبت إلى إنجلترا، أعجبت بنظام الحكم والحرية الدينية هناك «البروتستانتية»، فليس لديهم رهبان ولا كاثوليكية.
كنت أرسل رسائل لفرنسا منها: فرنسا تدمر نفسها بفرض عقيدة واحدة على جميع الفرنسيين، إن الذى يقول لك: اعتقد ما أعتقده وإلا لعنك الله، لا يلبث أن يقول لك حين يعتلى الحكم: اعتقد ما أعتقده وإلا قتلتك! وحين حكمت السلطات الفرنسية بإعدام كتاب العقد الاجتماعى لجان جاك روسو: كتبت: أنا لا أؤمن بكلمة مما كتبت.
ولكنى سأظل حتى الموت أدافع عن حريتك فى أن تكتب ما تشاء، وحين لاحظت أن الساسة «جمع سياسى» يتحالفون مع رجال الدين ضد الشعب، قلت: تمنيت لو أتيت بآخر سياسى وخنقته بأمعاء آخر رجل دين! كنت ضد الظلم والتعصب وكبت الحريات، وقلت: إذا طرق الرقى باب أمة، سأل أولًا: هل لديهم حرية فكرية؟ فإذا أجابوه: نعم، دخل وارتقت الأمة، وإذا أجابوه: لا، ولَّى هاربًا وانحطت الأمة! ذلك لأن الحرية هى صاحبة أعظم كلمة فى قاموس أى لغة ألا وهى: النقد! النقد البناء الذى يعتمد على ثلاثة:
١- ذكر الإيجابيات. ٢- ذكر السلبيات. ٣- طرق العلاج.
هذه الكلمة العظيمة غائبة فى الحكم الدينى، لأنها كفر والعياذ بالله، كما هى غائبة فى حكم الديكتاتورية، لأنها تعتبر خيانة وطنية! كنت أقول للفرنسيين: الديمقراطية هى حرية التعبير مع القدرة على التغيير، ودون إحداهما إنما هى ديمقراطية عرجاء أو مكسورة الجناح!.
كان والدى يقول: لدىَّ ولدان، الأكبر عقله ممتلئ بالخرافات الدينية، والثانى «أنا» مشغول بكتابة الشعر، طردنى من البيت، ولكن قريبة لى أعطتنى مبلغًا ضخمًا من المال، اشتريت به خمسة آلاف كتاب، قرأتها جميعًا، وألفت مسرحية أوديب «درة المسرح الفرنسى» انهالت علىَّ الأموال، كان تعليق والدى: هذا الولد الخبيث عرف كيف يجمع ثروة من ضحكات الناس ودموعهم!.
وأذكر أنى اشتريت كل أوراق اليانصيب لأن الورقة الرابحة سوف تكسب نصف مليون فرنك، وهذا المبلغ عشرة أضعاف ثمن الأوراق كلها! وهكذا أصبحت نصف مليونير فى ليلة واحدة. أعلن لويس الخامس عشر: بعد المنفى لثلاثين عامًا، أنا لا أود عودة فرانسوا فولتير، ولكنى أعد بعدم اعتقاله إذا عاد! وعُدت، وسألنى موظف الجمرك: هل لديك ممنوعات؟ قلت: أنا من الممنوعات! وبدا عليه أنه لم يفهم، أشرت إلى رأسى وقلت: أفكارى! ابتسم وقال: باريس كلها فى انتظاركم! وكان استقبالًا أسطوريًّا، ندم لويس الخامس عشر، ومنع زوجته مارى أنطوانيت من حضور حفل تتويجى! لم أتحمل الزيارات والاحتفالات المستمرة، فارقت الحياة بعد ثلاثة أشهر من وصولى إلى باريس.
وأنا على فراش المرض، أرسلت الكنيسة لى كاهنًا حتى أتوب عما قلته من احترام العقل وعدم تصديق ما يخالفه، سألته: من الذى أرسلك؟ قال الكاهن: الله! قلت له: أين أوراق اعتمادك؟ انصرف الكاهن غاضبًا.
أنا أحب كاتب هذه السطور لأنه يحبنى، ودائمًا يزورنى فى البانثيون «مثوى العظماء»، وقبل الكوفيد زارنى مرتين فى سنة واحدة! أعملوا عقولكم فى الموروث وتذكروا كلمات فيلسوفكم العظيم أبوالعلاء المعرى: كذب الظن لا إمام سوى العقل/ مشيرًا فى صبحه والمساء/ فإذا أطعته جلب الرحمة/ عند المسير والإرساء.