لواء د. سمير فرج متابعة عادل شلبى دخلت الحرب بين روسيا وأوكرانيا شهرها الثاني، ومع مرور الأيام ظهرت العديد من التساؤلات أولها ماذا حقق كل طرف حتى الآن من الناحية السياسية والعسكرية؟ والسؤال الثاني هل هناك بصيص من الأمل أن تنتهي هذه الحرب؟ وإن كان هناك أمل … فمتى سيتوقف القتال؟ والسؤال الثالث ما هو الهدف من استمرار القتال حالياً سواء لروسيا أو أوكرانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين وأخيراً دول حلف الناتو؟ وسنحاول هنا أن نجيب على تلك الأسئلة. فبالنسبة لتحقيق الأهداف حتى الآن فسنجد أن روسيا حققت هدفها الرئيسي منذ بدء القتال وهو تدمير البنية الأساسية للقوات المسلحة الأوكرانية وأصبحت الآن سماء أوكرانيا مباحة تماماً أمام القوات الروسية مما دعا الرئيس الأوكراني أن يطلب من الناتو التدخل بفرض حظر جوي على أوكرانيا الأمر الذي رفضته أمريكا والناتو لأنه يعني الدخول في حالة حرب مباشرة مع روسيا وهو ما أعلنوه منذ البداية بأنه لا تدخل عسكري ضد روسيا. وعلى المستوى العسكري فشلت روسيا في اقتحام العاصمة الأوكرانية كييف بعد أن انسحب الجيش الأوكراني من الأماكن المفتوحة وتحصن داخل المدن وأهمها كييف العاصمة وأجبر الجيش الروسي على الدخول في حرب قتال المدن وهو أصعب أنواع القتال لأي جيش نظامي. ولا شك أن وصول الدعم العسكري من أمريكا بصواريخ جافلين المضادة للدبابات وستينجر المضادة للطائرات كلها ساعدت المقاتلين الأوكرانيين على صد هجمات الجيش الروسي ومنعه من دخول كييف. إلا أن هذا لا يعني استحالة دخول كييف حيث سيتطلب ذلك من الجيش الروسي اتباع سياسة الأرض المحروقة أي تدمير المدينة بالكامل وروسيا قادرة بقوة نيران جيشها على ذلك وسوف تحدث خسائر كبيرة في المدنيين وهو ما ترفضه روسيا حتى لا تسوء سمعتها عالمياً. كذلك فإن بوتين يعتبر الشعب الأوكراني جزءاً من روسيا وهنا سيخسر الشعب الأوكراني للأبد. لذلك بدأت روسيا في اتباع سياستها المعهودة بعدم فتح جبهتين استراتيجيتين في وقت واحد، فبدأت في إعادة التمركز وسحب جزء من قواتها من منطقة كييف وتشرنوبيل والتركيز على الجبهة الشرقية في أوكرانيا في اتجاه بحر أزوف والبحر الأسود، حيث نجحت في الاستيلاء على مدينة خيرسون وحالياً تقاتل القوات الروسية ومعها دعم قوات الشيشان حوالي 1000 مقاتل للاستيلاء على مدينة ماريوبول والتي نجحت الوصول إلى قلب المدينة وبنجاح وبذلك تكون قد حققت الاستيلاء على اتجاه دونباس حيث جمهورية لوغانسك ودونيتسك المنفصلتان عن أوكرانيا. وبعدها تتوجه القوات الروسية للاستيلاء على أوديسا وهنا تحرم روسيا دولة أوكرانيا من بحر آزوف والبحر الأسود وسوف تكون ضربة استراتيجية كبيرة ضد أوكرانيا تعطي روسيا قوة كبيرة عند الجلوس على مائدة المفاوضات. ومن الناحية السياسية كسبت روسيا حتى الآن موافقة أوكرانيا من حيث المبدأ في تحييد الدولة الأوكرانية بشرط وجود ضمانات دولية لأوكرانيا ألا تكرر روسيا هجومها عليها مرة أخرى، لكن مشكلة موافقة أوكرانيا على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم أمر معقد لم يتم الوصول إلى حل بشأنه حتى الآن. وعلى مستوى أوكرانيا فلقد نجحت في حشد القوى الدولية وخاصة الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف ضد روسيا وزيادة العقوبات الاقتصادية عليها كما نجحت في الحصول على دعم عسكري متزايد ودعم مالي لمجابهة الوضع الاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد ولكن لازالت أوكرانيا ترى أن دول الناتو لم تقدم لها الأسلحة الهجومية اللازمة مثل طائرات ميج 29 وصواريخ الباتريوت والرادارات رغم أن أوكرانيا تحصل على معونة حربية غير ملحوظة وهي حجم المعلومات العسكرية عن روسيا التي تصلها يومياً من الولايات المتحدة. وعندما نتناول الإجابة على السؤال الثاني عن الأمل في انتهاء تلك الحرب قريباً فنرى أن روسيا تعمل على سرعة تحقيق انتصارات على الأرض خاصة في منطقة دونباس بعدها تبدأ في المفاوضات المباشرة الجادة مع أوكرانيا حيث أن التوقيت الذي وضعته روسيا لإنهاء هذه الحرب هو ثلاثة شهور أي تنتهي في شهر مايو القادم وإلا ستبدأ العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا في التأثير المباشر عليها. أما أوكرانيا فترى أن مد هذه الحرب يعني مزيد من تدمير البنية الأساسية المدنية للدولة مثل المياه والكهرباء والمواصلات والمستشفيات … إلخ لذلك تعمل على عدم تطويل مدة القتال. وعلى الطرف الآخر نرى الولايات المتحدة وبريطانيا تعملان على زيادة مدة الحرب لاستنزاف الاقتصاد الروسي لأطول فترة ممكنة وذلك بزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا وزيادة العقوبات الاقتصادية على روسيا لكن مازالت بعض دول حلف الناتو وبعض دول الاتحاد الأوروبي ترى سرعة إنهاء هذه الحرب ومنهم ألمانيا والمجر وإيطاليا بهدف إعادة روسيا لضخ الغاز الطبيعي لهذه الدول التي لا تستطيع تحمل إيقاف تدفئة الغاز رغم أن روسيا لازالت تدفع الغاز الطبيعي لهذه الدول حتى الآن. ولعل باقي الدول الأوروبية والصين ودول العالم تأمل في سرعة انتهاء الحرب لتفادي استمرار التأثيرات الاقتصادية الكبيرة التي أثرت على الجميع حتى بريطانيا التي لديها إمكانيات بترول بحر الشمال فلقد اضطرت لزيادة سعر البنزين للمواطن البريطاني ورغم انشغال فرنسا بالانتخابات الرئاسية حالياً إلا أنها تأمل في سرعة انتهاء الحرب لنفس الأسباب الاقتصادية. ولقد أظهرت هذه الحرب بعض النتائج المؤثرة رغم أنها لم تنتهي بعد لعل أهمها إدراك معظم الدول ومن بينهم دول الناتو ضرورة أن تعتمد كل دولة على قوتها العسكرية فلن يحارب الناتو مستقبلاً عند تهديد أي دولة منهم وأبسط مثال على ذلك قيام ألمانيا بزيادة إنفاقها العسكري هذا العام بمقدار 100 مليار يورو وشراء 35 طائرة أمريكية F35 وهذا الأمر كانت ترفضه المستشارة الألمانية ميركل من قبل ولكن الظروف الآن تغيرت وستصبح ألمانيا خلال الخمس سنوات القادمة من أكبر خمس قوى عسكرية على مستوى العالم. كذلك بدأت دول أوروبا في التفكير في الاعتماد على الطاقة البديلة والعودة للمفاعلات النووية لإنتاج الطاقة بعد أن كان العمل قد توقف بها بعد حادثة تشرنوبيل كذلك اللجوء إلى الطاقة الشمسية وباقي مصادر الطاقة بعدما حدث في هذه الحرب. على أية حال فإن الحرب لم تنته بعد ومازالت الآثار تظهر كل يوم ونحن في انتظار اليوم الذي تنتهي فيه أعمال القتال لنجلس معاً ونحلل ونفسر ما حدث وما هي أهم نتائج حرب القرن الواحد والعشرون.