رؤية تحليلية لواء د. سمير فرج متابعة عادل شلبي أفغانستان.. تلك الدولة الجبلية التي تقع في وسط آسيا وتحدها كل من طاجكستان وأوزباكستان وتركمنستان من الشمال ثم إيران من الغرب والصين من الشرق وباكستان من الجنوب، لذلك هي دولة ذات أهمية جيوستراتيجية في وسط آسيا حيث كانت تعتبر أحد نقاط الاتصال في طريق الحرير القديم وديانتها الإسلام السني كما يوجد بها بعض الشيعة الذين يمثلون 10% من السكان وتتكون من قبائل البشتون وهم الغالبية العظمي من السكان ثم قبائل الطاجيك والهزارة والتركمان والأوزبك وآخرون.. وفي التاريخ الحديث كان آخر ملوكها محمد ظهر شاه الذي تم اقالته بانقلاب عسكري وتم اعلان الجمهورية الأفغانية في يوليو 73 بعدها بفترة وصل الحزب الشيوعي للسلطة وتدهورت الحالة الأمنية في البلاد حتي دخل الجيش السوفيتي لاحتلال أفغانستان وهنا ثارت مخاوف الولايات المتحدة وحلفاؤها من الغرب حيث اقترب السوفييت من منابع البترول لدول الخليج وبدأت الولايات المتحدة تفكر في محاربة الوجود السوفيتي باتباع سياسة الحرب بالوكالة (Proxy warfare) بعدم استخدام القوات الامريكية لذلك قامت بتدعيم المجاهدين في أفغانستان علي أساس محاربة الشيوعيين الكفرة وأمدتهم بالأسلحة والأموال ويقال أن بن لادن وحده تسلم 5 مليارات دولار من الولايات المتحدة ضمن عناصر المجاهدين ضد القوات السوفيتية. حيث بدأ بتكوين أكبر المنظمات الإرهابية في العصر الحديث “تنظيم القاعدة” وبالفعل نجح المجاهدين في إخراج السوفييت من أفغانستان بعد 10 سنوات تكبدت فيها القوات السوفيتية خسائر بالغة نظراً لصعوبة القتال في هذه المناطق الجبلية الوعرة وخلال تلك الفترة ظهرت عام 1994 حركة طالبان وتعني بالعربية الطلبة وهي حركة إسلامية سنية مسلحة أسسها الطلبة في قندهار واعلنوا بيعتهم الي الملا محمد عمر وانتشرت في معظم أفغانستان وابتعدت عن المجاهدين امراء الحرب الذين كانوا يحاربون السوفييت لصالح الولايات المتحدة وحلفاؤها.. وسيطرت علي العاصمة كابول في سبتمبر 1996 معلنة قيام الامارة الإسلامية في أفغانستان ونقلت العاصمة الي قندهار واستمرت في الحكم حتي 2001 عندما قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر من تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وخلال حكم طالبان ارتكبت الحركة مذابح ضد المعارضة لها من الأفغان وحظرت أنشطة الإعلام والرسومات والتصوير الفوتوغرافي والأفلام التي تصور الأشخاص وحرموا الموسيقي باستثناء الدف وتم منع الفتيات الشابات من التعليم بالمدارس ومنعت النساء من العمل ومنع الأطباء الذكور من علاج النساء وطالبت النساء التحرك برفقة ذكر وضرورة ارتداء البرقع في الأماكن العامة واذا خالفت النساء يتم جلدهم أو إعدامهم علانية. وقامت حركة طالبان بتدمير العديد من المعالم الثقافية بما فيها تمثال بوذا الشهير كما تلخص فكر طالبان خلال تلك الفترة برفض لفظ الديمقراطية لأن الديمقراطية تمنح حق التشريع للشعب وليس لله ولا تري الحركة أهمية لوضع دستور حيث تري أن القرآن والسنة هما دستور الدولة الإسلامية وتعتبر الحركة أمير المؤمنين بمثابة الخليفة ولا توجد مدة محددة لتولي منصب أمير المؤمنين.. وركزت الحركة علي المظهر الإسلامي حيث أمرت الرجال بإطلاق اللحي وليس العمامة.. وهكذا كان فكر طالبان وفجأة جاء قرار الرئيس الأمريكي بسحب القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان بعد 20 عاما تكبدت فيها الولايات المتحدة وحدها 2440 قتيلا وحوالي 20 ألف مصاب. وجاءت صور احتشاد آلاف الأفغان في مطار كابول للتعلق بأذيال وأجنحة الطائرات الأمريكية لتحملهم معها خوفا من انتقام طالبان وكان أول ما أثار تعليقات الجميع هو كيف انهارت المدن الأفغانية أمام مقاتلي طالبان من جيش كبير يزيد اعداده عن 300 ألف مقاتل مزودين بأحدث الأسلحة الأمريكية وكان الرد في عدة نقاط … أولهم أن هذا الجيش الافغاني عبارة عن عناصر من الشعب الأفغاني التحقت بالجيش لأنها لم تجد لقمة العيش أو وظيفة تتعايش منها فتم التحاقهم بالعمل في الجيش الأفغاني لذلك يمكن إطلاق عليهم جيش من المرتزقة ليس له أي ارتباط بالوطن والأرض.. والنقطة الثانية أن معظم جنود هذا الجيش كان لهم مدة أكثر من 4-5 شهور لم يتسلموا رواتبهم لذلك فكيف تطالبهم بالدفاع عن الأرض.. والنقطة الثالثة كان قرار الرئيس جو بايدن المفاجئ بإعلان سحب القوات الأمريكية والتحالف من أفغانستان حيث شعر الجيش الأفغاني أن من كان يحميهم قد تركهم وكان من أهم أسباب تسليم القوات الأفغانية سلاحها حيث صرح أحد قادة الجيش الافغاني وقتها بعد سماع قرار الرئيس الأمريكي أننا وحدنا في المعركة نحارب عناصر ذات أيدولوجيات متطرفة حيث وجدنا أنفسنا في أرض المعركة بلا دعم لنا بعد انسحاب كل القوات الأمريكية والتحالف الذين كنا نظن أنهم خلف ظهرنا. والنقطة الرابعة أن ذكاء حركة طالبان هذه المرة كان متميزا فلقد أعلنوا منذ اليوم الأول أن من يلقي السلاح من الجيش الافغاني ويعلن استسلامه سيحصل علي عفو عام لذلك كان المنظر في اليوم الأول استلام لواء كامل من الجيش الافغاني بقوة 4 الاف مقاتل وكانت صورة قائد اللواء وهو يعلن استلامه وقبول العفو العام شجع كافة مقاتلي الجيش في كافة مناطق أفغانستان علي الاستسلام لذلك لم تطلق طلقة واحدة من الجيش الأفغاني.. ونأتي للنقطة الخامسة أن طالبان استفادت من أخطاء الفترة السابقة ويبدوا أن الأجيال الجديدة من طالبان ممن كانوا في عمر الشباب 25 عاما أصبحوا الآن في سن 45 عاما هم القادة الحاليين وقد استفادوا من الأخطاء السابقة فلقد أعلنوا أنه ليس لديهم مانع من تعلم المرأة بل وعملها مادام ذلك في إطار الشريعة الإسلامية واعلنوا عزمهم عن تشكيل حكومة شاملة تجمع معظم الأطراف في البلاد وغيرها من القرارات التي هوجمت عليها حركة طالبان في الفترة السابقة. كل هذه التصريحات أعطت الأمان للجيش الافغاني أن يسلم سلاحه وأن تستولي طالبان علي أحدث المعدات والأسلحة في الترسانة العسكرية الأمريكية.. والنقطة السادسة كان من ذكاء قيادات طالبان الجديدة إعلانها العفو العام عن كل العاملين مع القوات الأمريكية العسكرية من المترجمين والمساعدين كذلك في كل السفارات الأجنبية.. كل ذلك اعطي الاطمئنان لعناصر الجيش الافغاني أن تلقي السلاح وتسلم نفسها لقوات طالبان.. والنقطة السابعة كان هروب رئيس الدولة وهو أمر أفقد الجيش الأفغاني روحه المعنوية وهو يري رئيس دولته يهرب ويتركه وحيداً والنقطة الثامنة أن الجيش الأفغاني تلقي تدريبات أولية من القوات الأمريكية خلال السنوات الماضية ولكنه لم يرقي الي مستوي التميز لأننا لم نسمع مثلا قيامه بإجراء تدريبات مشتركة مع دول مجاورة أو تدريبات مشتركة مع القوات الأمريكية لذلك جاءت تحليلات الجميع بضعف أداء الجيش الأفغاني وهناك من يلقي اللوم علي تقديرات الاستخبارات الأمريكية التي قدرت أن طالبان لن تستطيع السيطرة علي أفغانستان إلا بعد 6 أشهر وأن الجيش الأفغاني قادر علي الصمود وهذا بالطبع سوء تقدير من الاستخبارات الأمريكية التي لم تقدر قوة عناصر طالبان وسوء حالة الجيش الأفغاني لذلك حدث ذلك الانهيار السريع وسقوط الدولة في يد حركة طالبان بسهولة وهناك من يلوم الرئيس جو بايدن علي اتخاذ قرار الانسحاب ولكن الجميع يعلم أن ذلك القرار بسحب القوات الأمريكية اتخذ منذ عهد الرئيس السابق ترامب وكان يتم الاتفاق علي سحب القوات خلال محادثات طالبان والوفد الأمريكي في الدوحة في قطر. وهنا يجب أن نذكر أن سماح قوات طالبان للجيش الأمريكي بإجلاء كافة الرعايا الأمريكيين والمتعاونين معهم من الأفغان هو قرار في غاية الذكاء وأيضاً تعلموه من الدروس السابقة لأن تدخل قوات طالبان لمنع الأمريكيين من إجلاء قواتهم وحلفاؤهم من مطار كابول كان يعني حدوث حرب أهلية قد تعيد الأمريكان مرة أخري للبلاد لذلك كان معني تعاون طالبان مع الأمريكان لإجلاء رعاياهم غاية في الذكاء ولعلي أسمعهم وهم يقولون “بس يخرجوا وبعد ذلك نفعل ما نريد”.. لذلك كان رأي المستشارة الألمانية ميركل يجب أن ننتظر الأفعال من رجال طالبان أنهم الان يصرحون بالتصريحات التي تريح أمريكا والغرب سوف تشكل حكومة شاملة سوف نعفوا عن كل من تصالح معنا سنسمح بتعليم الفتيات وسنسمح بعمل المرأة.. سوف تكون طالبان بشكل جديد أمام المجتمع الدولي واعتقد أنه ربما تكون طالبان صادقة هذه المرة فهي لا ترغب أن تكون في عزلة دولية ثانية أمام العالم رغم أن الصين وعدتها بالدعم الكبير عسكريا واقتصاديا لكن طالبان لا تريد أن تعود للوراء وتخسر الدعم العالمي وخاصة الاقتصاد حيث قامت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتجميد كافة أموال طالبان في البنوك الأوروبية علاوة علي أن أفغانستان كانت لتعيش علي أموال الدعم من الحكومات الغربية وأمريكا لذلك مازالت تصريحات المستشارة الألمانية ميركل نحن ننتظر الأفعال من طالبان في الفترة القادمة لذلك فإنني اعتقد أن هذه الأفعال لن تظهر قبل شهر أكتوبر القادم بعد انسحاب كافة القوات الأمريكية والأجنبية ورعاياهم والمتعاونين معهم من أفغانستان ويعود مطار كابول تحت السيطرة الأفغانية وقتها سنعرف تماما الي أين تتجه أفغانستان في الفترة القادمة.