شهده تونس الايام الماضية تصعيدا مستمرا بيد أن الأيام القليلة تطورا على نحو آخر أبطاله عدد من قيادات الجيش المتقاعدين الذين بعثوا برسالة إلى الرئيس قيس سعيد أثارت مخاوف عدد من المراقبين خشية دخول الجيش على خط الأزمة بين الرئاسة وحركة النهضة.
وتحت عنوان مبادرة حل.. الأمل الأخير لإنقاذ تونس نشر العميد مختار بن نصير الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب مبادرة وقع عليها عدد من الضباط المتقاعدين طالبوا خلالها بإعادة البلاد إلى المسار الصحيح وتجنب أي مخاطر قد تطرأ نتيجة أي صراع سياسي مشددين على أن دافعهم الأول لتلك الرسالة هو المخاطر الجسيمة التي تهدد البلاد.
وشدد الحناشي على أن هناك حالة من القلق لدى مختلف مكونات العملية السياسية في البلاد، إذ تخشى حركة النهضة من الإقصاء من جانب الرئاسة باستخدام الفصل رقم 80 من الدستور التونسي والذي يمنح رئيس الجمهورية الحق باتخاذ التدابير اللازمة لحماية البلاد في الحالات الاستثنائية مع موافقة رئيسي الحكومة ومجلس النواب على تلك القرارات وهو ما يجعل فزع النهضة خشية الإطاحة بها أمرا غير مبرر.
وأوضح أنه: هناك صراع سياسي وعجز من قبل مجموعات سياسية لاحتواء الأزمة المعارضة لديها هجوم سياسي ضد النهضة لكنها عاجزة عن إدارة الصراع ضدها مؤكدا أن الأزمة تعكس عجز النخبة السياسية في الحكم أو المعارضة على إدارة الأزمة والخروج من حالة الاختناق السياسي مشيرا إلى دعوة الاتحاد العام للشغل إلى الحوار عدة مرات دون جدوى.
ومن جانبه يرى الدكتور منير السعيداني أستاذ علم الاجتماع أنه يمكن قراءة الرسالة على مستويي الشكل والمضمون لافتا إلى أن نشر الرسالة على العموم وهو نوع من الخروج عما اعتيد ترويجه من اتصاف العسكريين من الحرص على واجب التحفظ وعدم خرق الحدود التنظيمية الصارمة ضمن المؤسسة العسكرية.
وبيّن في تصريح أن مسألة الخروج عن التقاليد تزداد وضوحا عندما يتعلق الأمر بالتوجه إلى رئيس الجمهورية وهو حكما في تونس كما في الكثير من بلدان العالم القائد الأعلى للقوات المسلحة ولو كان هذا جرى على ما تفرضه التقاليد لذهبت الرسالة من مرسليها لمتلقيها بطريقة أقصر وأكثر مباشرة وأقل ضجيجا أي شبه سرية أو من دون أن تكون مفتوحة.أمر سياسي بحت
وأشار السعيداني إلى أن الملاحظات تتعلق بالصفة التي قدم بها محررو الرسالة أنفسهم مضيفا: هم متقاعدون ويفترض أن تكون صفاتهم الموضوعة قبل التوصيف قد كفّت عن أن تكون موجودة فضلا عن أن تكون فاعلة بصفتها تلك. استدعاء ما انقضى في هذا التوصيف يراد له وقع محدد ولكن الوقع المراد لا يتوافق بالضرورة مع الصفة الموضوعة فليس ما تتناوله الرسالة أمرا عسكريا بحيث يكون لتدخل عسكريين حتى متقاعدين بعض المعنى فيه.
وبيّن أن الأمر سياسي بحت أريد للتدخل فيه أن يستثمر نوعا من الصورة المفترضة للمؤسسة العسكرية استثمارا سياسا خاصا وفي اتجاه محدد.
وتابع موضحا: لأن الأمر سياسي تتعلق آخر الملاحظات بالهالة الإعلامية التي غطّت الرسالة وهي هالة تهدف لتحقيق نوع من (الرد) على الوقع الذي أريد إحداثه هو أيضا لمبادرة الأميرال العكروت المتقاعد أيضا، التي أراد منها أن يبعث (ديناميكية سياسية في اتجاه محدد) محاولا هو أيضا استثمار الصورة المفترضة للمؤسسة العسكرية مضافا إليها أثر ما كان تقلّده من مناصب سياسية استشارية زمن الباجي قائد السبسي تحديدا.
وبحسب السعيداني فإن لغة الرسالة سياسية واضحة الاتجاه في التأكيد على معجم محدد (مرحلة انتقالية تعديلات الإصلاح التدريجي مبدأ التحاور، رأي الاغلبية التداول على السلطة، صندوق الانتخابات النظام الديمقراطي،… إلخ.) وهو ما يشير إلى دور سياسي يرشح هؤلاء المتقاعدون العسكريون أنفسهم للاضطلاع به.
ويؤكد الأكاديمي التونسي، أن الرسالة تستثمر ما تحمله الصورة الرائجة للجيش وللمؤسسة العسكرية لدى التونسيين من مزايا وعلى الأخص نتيجة نجاحاته في مقاومة الإرهاب وعلى ذلك لا تخفي الرسالة أنها تنحاز إلى غير جهة التراشق بالتهم وتحميل الآخرين مسؤولية الإخفاق فالكل يتحمل قسطا من مسؤولية ما حصل وما يحصل وبطبيعة الحال يتحمّل من هو في المواقع العليا للسلطة قسطا أكبر من تلك المسؤولية إِذ عليه تقديم البدائل والدفع باتجاه الحلول