نتناول اليوم سيرة فريدة لشهيد من أبناء الوقف، فهو أصيل الجدّين، وينتمي لأسرة عريقة، جمع بين الشّغف بحلقات الذّكْر والإنشاد وحبّ التصوف، والالتحاق بجهاز الشرطة، وقبل أن يتمّ عامَه الـ 40 نال الشهادة، فأُطلق اسمه عام 1995 على المدرسة الثانوية الوحيدة بمركز الوقف وقتها، وذلك بعد أشهر قليلة من استشهاده.
وُلد الشهيد حسني حسين عبدالرحيم عبادي، (وشهرته حسني عبّادي)، لأسرة كريمة من عائلة الجعافرة بناحية البهايجة بمدينة الوقف عام 1956، وكان والده الراحل واحداً من أبرز رجالات التعليم وقتها، معاصراً الأستاذين الراحلين أحمد حسين الحوارم، وأبوالقاسم السايح، وغيرهما، كما كان أميناً بالاتحاد الاشتراكي ومن كبار المزارعين، إضافة إلى أن جد الشهيد لأمّه (العمدة إبراهيم فهمي) هو آخر عمدة بالوقف، قبل إنشاء النقطة التي تحولت إلى مركز الشرطة الحالي. نشأ الطفل حسني في بيئة وسطيّة محافظة، تحظى بسمعة طيبة وعلاقات جيّدة مع الجميع، وحصل على الابتدائية من مدرسة الناصرية، ثم الإعدادية من مدرسة الوقف الإعدادية، وأكمل دراسته الثانوية بمدرسة الشهيد خيرت القاضي بنجع حمادي، واقتنع بنصيحة خاله الراحل الأستاذ إبراهيم فهمي، صاحب مدارس الناصرية الخاصة (سينا سكول) في حي الزيتون بالقاهرة، فالتحق بكلية الشرطة.
أثّرت نشأة الشاب حسني وسط هذه الأسرة في تكوينه، وعُرف بين أقرانه بورعه وتقواه، وحلاوة روحه، وكان قلبه ميالاً إلى الصوفية، متعلقاً ومشغوفاً بحبّ آل البيت وحفلات الذّكر والإنشاد، وكثيراً ما حضر جلسات ذِكْر للشيخ ويفي الشهير بقنا.
كان أصدقاؤه وأحبته ورفقاء دربه يلتقونه في شقّته بقنا في أيام إجازته، يستعيدون معه ذكريات الطفولة والشباب، ولم تكن الجلسة تخلو من القفشات والضحكات وفيض من المحبّات.
بعد تخرّجه عام 1977 عمل الملازم حسني في بندر قنا، ثم انتُدب إلى نقطة شرطة المحروسة لمدة 6 أشهر، ومنها أُعيد إلى بندر قنا رئيساً للمباحث برتبة نقيب، ولم يمنعه عمله بالشرطة عن التزاماته العائلية والمجتمعية، فكان واصلاً للأرحام، لا يقصر أبداً في أي أمر يتعلّق بالأهل أو بالبلد. رُقّيَ الضابط حسني رئيساً لوحدة مكافحة الأموال العامة على مدار 3 سنوات بمحافظة أسيوط برتبة رائد، وانتقل بعدها رئيساً لمباحث مكافحة الأموال العامة بمحافظة سوهاج، وكان مثالاً للضابط الأمين المخلص في عمله، فنال تقدير رؤسائه ومحبّة زملائه.
في 27 أغسطس 1994م كان الرائد حسني على موعد مع الشهادة، عندما خرج ملبياً نداء الوطن في مهمة عمل بقرية سلامون مركز طما بمحافظة سوهاج، لدرء الإرهاب الذي استفحل خلال التسعينيات في ربوع مصر، وخصوصاً بمحافظات الصعيد، فأصيب بطلق ناري مباشر على أيدي الإرهابيين، فتم نقله بشكل عاجل إلى مستشفى سوهاج التعليمي، حيث فاضت روحه إلى بارئها، عن 38 عاماً، متأثراً بجراحه.
تم تشييع جثمان الرائد الشهيد، (الذي تم منحه رُتبة المُقدّم)، من أمام نادي الشرطة بسوهاج حتى كوبري أخميم، وتقدّم الموكب اللواء محمد حسن طنطاوي، (محافظ سوهاج وقتها)، ومدير الأمن وقيادات الشرطة وكثير من أهالي سوهاج وأهل الشهيد، ثم نُقل الجثمان الطاهر إلى مسقط رأسه بالوقف، حيث كان بانتظار الجنازة الآلاف من أبناء المدينة لتوديعه.
تم تكريم المقدّم حسني بإطلاق اسمه على شارع ومدرسة ابتدائية بسوهاج، ومن باب أولى أُطلق اسمه على المدرسة الثانوية بمدينته الوقف.
رزقَ الله الشهيدَ حسني ثلاث زهرات، أتممن تعليمهن الجامعي وتزوّجن، ولهُنّ أن يفتخرن بالنسب إلى رجل ضحّى بروحه من أجل أن يعشن وأهلهنّ عيشة كريمة.
وفي عيد الشرطة عام 1995، وتقديراً لشجاعة الشهيد وتضحياته وبسالته، كرّم الرئيس الراحل حسني مبارك أرملة الشهيد ووالده ومنحهما وسامين.
رحم الله الشهيد الخالد الذّكْر، وبارك في أهله وذرّيته وأحبّته، وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.
(كل الشكر والتقدير للأصدقاء الأعزاء، أ. جمال وهب الله، وأ. محمود الراوي، وأ. بكر سيف) كتب: خالد ربيعي