كتب /أيمن بحر هل يمكن للتوتر التركى-الفرنسى فى ليبيا أن يمتد الى الدول المغاربية المجاورة ولو على شكل تنافس إقتصادى؟ فأنقرة لا تخفى عزمها تكثيف إستثماراتها فى المنطقة، وهو أمر سيقلق فرنسا صاحبة النفوذ القوى تقليدياً فى تلك المنطقة. توتر متزايد بين فرنسا وتركيا بسبب دور كل منهما فى الأزمة الليبية.حالة من المواجهة الكلامية والإتهامات بين تركيا وفرنسا على خلفية الوضع فى ليبيا. فباريس تتهم أنقرة بأنها تنهج سياسة متصلبة وعدوانية عبر تدخلها العسكرى لدعم قوات حكومة السراج فى النزاع المسلح مع قوات الجيش الليبى الرسمى شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، فيما ترّد أنقرة بأن الدعم الذى “تقدّمه فرنسا لحفتر فاقم الأزمة فى ليبيا (…) وزاد معاناة الشعب الليبى لكن التوتر بين الحليفين فى شمال الأطلسى لا تقتصر تداعياته على ليبيا، إذ قد تصل شظاياه الى دول أخرى، خاصة فى المنطقة المغاربية حيث لم ينجح خليفة حفتر فى ضمان وجود حليف له هناك. بينما إستطاع فايز السراج ضمان موقف دولتين مهمتين هما المغرب وتونس اللتان تؤكدان أنه لا محيد عن إتفاق الصخيرات لإيجاد حلّ سلمى للأزمة فى ليبيا وهو الإتفاق الذى تولدت عنه حكومة فايز السراج. فرنسا، المتهمة من قبل تركيا بنهج سياسة تخدم مصالح الإمارات أكبر الداعمين العرب لخليفة حفتر، لم تجد فى المغرب وتونس والجزائر الدول التى ترتبط مع باريس بشراكات إقتصادية قوية وتنهل من الوجود الفرنسى القوى فى المنطقة، أىّ رجع لصدى سياستها فى ليبيا. ويحدث هذا فى وقت ترتفع فيه أسهم تركيا فى تلك الدول الثلاث ما قد ينبئ بتنافس إقتصادى بين تركيا وفرنسا فى هذه المنطقة، فى وقت تبتعد فيه موريتانيا بشكل كبير عن دائرة هذا التقاطب.تركيا وفرنسا لديهما حضور تاريخى فى المنطقة والصراع بينهما على النفوذ فيها هو صراع تاريخى سواء أكان فى الكواليس أو بشكل مفتوح كما يحدث فى ليبيا” يقول الخبير الإقتصادي المغربى رشيد أوراز لـDW عربية مضيفاً أن هذا الصراع ينتقل أحياناً الى ما هو إقتصادى، وأن فرنسا تحاول مضايقة النشاط التركى فى المنطقة. لكن أنقرة ماضية فى إتفاقياتها بالمنطقة رغم هذه الضغوط الفرنسية يضيف الخبير فى إحالة منه الى تدخل وزير الصناعة والتجارة المغربى حفيظ العلمى، لتعديل إتفاق التبادل الحر مع تركيا. كييرى رشيد أوراز يرى أن أنقرة تلعب كذلك على وجود تناقضات بين دول المنطقة وعدم وجود قبول كبير لفرنسا عند كثير من الفئات التى تستحضر الصورة الإستعمارية لفرنسا وكذلك بإعتبار الطريقة الأبوية التي تتعامل بها فرنسا مع هذه الدول. ويمضى أوراز قائلاً أن أنقرة تستهدف الطبقات الوسطى وأصحاب الدخل المتدنى، لكنها تنافس شركات الصناعة الثقيلة الأوروبية، ما جعلها تكسب الرهان فى منافسة السلع الصينية الرخيصة عبر تقديم سلع أكثر جودة. لكن الأهم يستطرد الخبير أن تركيا باتت تنافس فرنسا حتى فى سوق الموارد الطبيعية بالمنطقة المغاربية وأفريقيا عموماً، وهو ما دفع باريس الى الرد بحدة على تدخلات تركيا فى ليبيا. نشرت صفحات مغربية على الإنترنت صوراً لإفتتاح متجر لشركة الملابس التركية الشهيرة LC Walkiki فى مدينة العيون بمنطقة الصحراء الغربية وإفتتاح هذا المتجر لم يكن ليحدث لولا تنسيق مغربى-تركى، خاصة وأن المدينة تقع فى منطقة تشهد نزاعاً سياسياً مع جبهة البوليساريو التى نقلت عدة تقارير إنزاعجها من تلك الخطوة. لكن الأكيد أن الخطوة تخدم بشكل واسع مصالح المغرب وتفتح الباب لمزيد من التعاون بين تركيا والمغرب. وفى الجزائر جرى إتفاق مع تركيا على مشروع ضخم للبتروكيماويات بولاية أضنة التركية بمشاركة سوناطراك شركة المحروقات الحكومية الجزائرية، وهو إتفاق يأتى لتعزيز علاقات البلدين إذ تتوفر الجزائر على 377 مشروعاً إستثمارياً تركياً، ما يجعلها ثالث دولة عبر العالم تستقبل الشركات التركية حسب الإعلان الرسمى. أما تونس فترتبط بدورها بإتفاقية للتبادل الحر، وتدفع أطراف فى الحكومة التونسية لتمرير مشروع جديد يخصّ تفعيل إتفاقية لحماية الإستثمارات بين تركيا وتونس. وترغب أنقرة وفق تصريحات رسمية، بوصول التبادل التجارى مع تونس الى مليارى دولار بدل مليار دولار، مسجل حالياً. فى المقابل تعدّ فرنسا ثانى ممون للجزائر بعد الصين، وهى ثانى موّرد للمغرب بعد أسبانيا وهى الشريك التجارى الأول لتونس داخل الإتحاد الأوروبى. لكن الأرقام الفرنسية الرسمية تبيّن أن هناك تراجعاً طفيفاً فى نسبة الصادرات الفرنسية الى الدول الثلاث.غير أن تركيا بدورها تتعرّض لانتقادات من فئات واسعة داخل الدول المغاربية لوجود عجز تجارى لصالح أنقرة وكذلك بسبب توجهها لمنافسة صناعات محلية كالنسيج ومنتجات البقالة. ويتحدث المحلّل السياسى التونسى صلاح الدين الجورشى عن أن تركيا ستستفيد من أىّ إنكماش فرنسى فى المنطقة، لكن يجب إنتظار الموقف الجزائرى للحكم أكثر، فأى تطوّر واسع لعلاقات تركيا والجزائر سيزيد من نفوذ تركيا فى المنطقة بيد أن ذلك لا يعنى حسب الباحث ضرب المصالح الفرنسية ومن الصعب للغاية تحييد فرنسا من مكانتها. وقد نقلت وسائل إعلام مغربية، منها صحيفة “الأيام أن هناك ترتيبات لعقد قمة بين الملك محمد السادس والرئيس رجب طيب أردوغان قريباً لأجل التباحث بشأن الأزمة الليبية. خبر جاء بعد تأكيدات مغربية أن الرباط لم تتخلّ عن إتفاق الصخيرات والتأكيدات ذاتها قادمة من تونس التى لم يصدر منها ما يخالف موقفها فى أبريل/ نيسان 2020، عندما أكدت دعمها للإتفاق الموقع فى المنتجع المغربى عام 2015. وإن كانت الجزائر قد أخذت موقفا محايدا فى عهد الرئيس عبدالمجيد تبون، لتنهى به توتراً نشب بينها وبين سلطات الشرق الليبى عندما تحركت الجزائر للقاء قبائل ليبية فى الجنوب الليبى، غير أن الجورشى يرى أن خليفة حفتر لم يعد يتمتع بالتأييد نفسه من طرف العديد من الدول الأوروبية متابعاً أن فرنسا لن تغامر بعلاقاتها مع الدول المغاربية لأجل حماية حفتر، وأنها لن تحاول فرض كل شروطها فى ليبيا لأنها تدرك وجود طبخة لإستفادة كل الأطراف المتوّرطة هنا ولو بشكل متفاوت والأهم حالياً بالنسبة لها عدم نقل الحرب من غرب ليبيا الى شرقها، وبالتالى عدم تجاوز القسمة التقليدية التى وُزعت مسبقًا بها مناطق النفوذ بين طرفى الحرب حسب الجورشى.