لواء دكتور/ سمير فرج.
متابعة عادل شلبى
في الذكرى الثالثة لرحيل المشير حسين طنطاوي 21 سبتمبر، الرجل العظيم، الذي تولى وزيراً لدفاع مصر لمدة 20 عام، أعطى فيها الكثير لمصر وقواتها المسلحة، كما أنه أدار البلاد، وهو رئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد أحداث 25 يناير، ليصل بمصر إلى بر الأمان، حتى تم تسليم إدارة البلاد إلى السلطة المدنية. هذا الرجل الذي خاض خمس حروب في تاريخ العسكرية المصرية حرب 56، ثم حرب 67، ثم حرب الاستنزاف. ثم حرب 73، حيث كان قائداً لمعركة المزرعة الصينية. كما كان سيادته رئيسا لهيئة العمليات في حرب تحرير الكويت، الذي خطط لعمل القوات المسلحة المصرية هناك هذا البطل يقول أن أغلى وسام تقلده من ضمن اوسمة عديدة وهو وسام الشجاعة عن معركة المزرعة الصينية، وهو برتبة مقدم. ثم وشاح النيل أعلى وسام في مصر تقديراً لدوره في قيادة البلاد في تلك الظروف الصعبة.
واليوم أضيف عمل عظيم لهذا البطل العظيم حيث رشح ومعه مجموعة من الضباط المصريين من أبناء القوات المسلحة لأنشاء كلية حربية جديدة في الجزائر في شرشال بعد تحرير الجزائر من فرنسا. واليوم في ذكرى رحيل هذا البطل المشير طنطاوي، ونحن على أعتاب. الذكرى ل51 لحرب أكتوبر نعرض قصة المعركة الصينية.
كانت البداية عندما تم تعيين المقدم ” محمد حسين طنطاوي ” قائداً للكتيبة ١٦ مشاة من اللواء ١٦ مشاة، من الفرقة ١٦ مشاة، بقيادة الفريق اللواء عبد رب النبي حافظ، وكانت الكتيبة ١٦ مشاة، ضمن القوات المصرية المقاتلة في قناة السويس يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ الساعة ٢:٠٠ ظهراً وعبرت قوات الكتيبة على متن القوارب المطاطية ضمن الموجة الأولى لقوات العبور، واقتحمت الكتيبة خط بارليف في منطقة الدفرسوار، وتقدمت بعد نجاحها شرقاً بعد اختراق دفاعات خط بارليف وقامت بصد احتياطي العدو القريب بقوة سرية دبابات.
اندلعت الكتيبة بعد ذلك في إتجاه المزرعة الصينية، والتي كانت عبارة عن ثلاث مباني، قامت الصين بإنشائها قبل حرب ،٦٧، بغرض إنشاء مزرعة تجريبية شرق القناة لزراعة المنطقة هناك، وعندما اشتعلت حرب يونيو ٦٧، إنسحبت العناصر الصينية التي تقوم بالزراعة، وبقيت الثلاث مباني والمنطقة المحيطة بها على الخرائط، معروفة باسم المزرعة الصينية.
واستمرت الكتيبة ١٦ مشاة بقيادة المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي، ورئيس عمليات الكتيبة الرائد سعيد ناصف في التمسك بالأرض، وأنشأت الدفاعات في رأس الكوبري ضمن الفرقة ١٦ المشاة الميكانيكي.
وخلال هذه الفترة قامت الكتيبة بصد العديد من الهجمات المضادة من إحتياطيات الجانب الإسرائيلي ونجحت في صد وتدمير كافة تلك الهجمات دون حدوث أي إختراق لخطوط دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة.
حتى جاءت ليلة السادس عشر من أكتوبر ۷۳، ليقوم العدو الإسرائيلي بأكبر هجوم مضاد بقوة لواء مدرع طبقا لخطة الجنرال شارون، التي كانت تهدف إلى إحداث إختراق في دفاعات الفرقة ١٦، من خلال إختراق دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة، وبعد حدوث الاختراق تندفع باقي
قوات شارون إلى القناة والعبور بقوات لواء مدرع لتطويق الجيش الثاني، وتندفع في إتجاه الإسماعيلية تلك الخطة الإسرائيلية التي كانت معروفة باسم الغزالة.
وبعد منتصف الليل، بدأت العناصر المدرعة الإسرائيلية من لواء أدان وماجن من الإقتراب من خطوط دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة، وفي السجلات الخاصة بوقائع حرب أكتوبر قدم المقدم ” محمد حسين طنطاوي شهادته عن الأحداث قائلا “أنه بدأ يسمع تحرك جنازير الدبابات التي تقترب من دفاعات كتيبته، ومن خلال أجهزة الرؤية الليلية بدأ تقدم كتيبة دبابات المقدمة للواء المدرع الإسرائيلي، الأمر الذي دفعه لإعطاء الأوامر بصفته قائد الكتيبة ١٦ مشاة. بحبس النيران حتى تقترب دبابات العدو الإسرائيلي لأقرب نقطة، وتكون في مرمى النيران المؤثرة لكتيبته حتى يمكن تدميرها فورا”.
وفعلا عندما اقتربت المدرعات الإسرائيلية في مرمى النيران المؤثرة للكتيبة. أطلق المقدم حسين طنطاوي إشارة ضوئية في الهواء وهنا قامت قوات الكتيبة بفتح النيران فوراً على الدبابات الإسرائيلية المتقدمة والتي أصابتها مباشرة واستمرت المعركة أكثر من ساعتين. وبعد أن شعر العدو بعدم قدرته على إختراق دفاعات الكتيبة، قرر إيقاف هجوم الاختراق والانسحاب للخلف.
وكانت شبورة الصباح قد بدأت لتمنح العدو الفرصة لسحب قتلاه من أرض المعركة، وفشلت قوات شارون من إختراق دفاعات الكتيبة ١٦ بقيادة المقدم حسين طنطاوي، واضطر شارون أن يلجأ إلى تنفيذ الخطة من خلال العبور من البحيرات المرة، إلى الضفة الغربية لقناة السويس، لينفذ خطته بتطويق الجيش الثاني، ويندفع بقوته في إتجاه الإسماعيلية، حيث أوقفته قوات الصاعقة في مدخل إسماعيلية في منطقة أبو عطوة.
وقد شاءت الأقدار أن أكون شاهداً بعد مرور أكثر من ربع قرن علي الحرب، علي واقعة محاولة ” شارون ” لقاء القائد المصري ” محمد حسين طنطاوي، الرجل الذي حاربه ببسالة.
فأثناء عملي مديراً لإدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، كنت في أحد الأيام بمكتب السيد المشير طنطاوي وزير الدفاع، وفجأة جاء اتصال من الرئيس مبارك وحاولت الخروج ولكن المشير طنطاوي أشار لي بالبقاء، وكانت مكالمة من السيد الرئيس مبارك للمشير طنطاوي ليبلغه أن الجنرال شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي سوف يحضر غداً لمقابلته في شرم الشيخ وطلب شارون أن يلتقي بوزير الدفاع المصري. ” محمد حسين طنطاوي المقابلة. وكان رد المشير طنطاوي يا فندم لو كنت مطلوب لمقابلته في عمل خاص بالقوات المسلحة أو لصالح مصر، أوامر حضرتك “، ولكن الرئيس مبارك قال لا، إنه يريد أن يراك شخصياً.
وهنا جاء رد المشير طنطاوي معلش يا فندم أرجو إعفائي من هذه المقابلة”. وكان رد الرئيس مبارك عموماً كنت متأكد من ردك، وانتهت المحادثة، وفي صباح اليوم التالي تابعت ما حدث في شرم الشيخ، وعلمت أنه بعد انتهاء مقابلة الجنرال شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي للرئيس مبارك خرج وسأل رجال المراسم هل سأقابل المشير طنطاوي؟
وكانت الإجابة المشير طنطاوي لديه التزام مسبق ولم يستطع الحضور، وكان رد الجنرال شارون على ذلك قائلا ” كنت متأكداً أنه لن يحضر، ولكن كنت أود أن أقابل قائداً عسكرياً
حاربته بشرف، وأحترمه “.
ومن هنا كانت هذه المقولة ان معركة المزرعة الصينية في رأس الكوبري شرق قناة السويس، قد أبرزت صلابة وقوة المقاتل المصري العنيد الذي منع القوات الإسرائيلية من اختراق دفاعاته وتمسك بالأرض، لذلك كان الجندي المصري هو خير أجناد الأرض.