لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة عادل شلبى
عندما وصلت الي الأقصر لأكون محافظ لها، كانت الاسابيع الأولى لي هناك من اصعب أيام حياتي والله..، حيث كانت الأقصر عبارة عن قرية زراعية بسيطة بها ثلث اثار العالم، يكفي أن بها معبد الكرنك أكبر أثر في العالم، الذي كان في حالة سيئة للغاية.
وخلال الأسبوع الأول، وأنا في غاية الإحباط، وانا اسال نفسي ماذا سأفعل… وأتذكر في اليوم الثالث، بعد أن قمت بالمرور على كل قرى الأقصر في البر الشرقي والغربي، حيث توجد أجمل مقابر الفراعنة، جلست في المساء في الاستراحة أنظر إلى نهر النيل العظيم الذي نشر الرخاء العلم للعالم كله وناديت ربي والله العظيم، هذا ما حدث، وقلت ربي لقد كنت معي في كل لحظة في حياتي، وحققت لي نجاحات كبيرة، وأشهد أنك وقفت بجانبي، ولم أفشل في أي مهمة واوكلت لي، هل ستخذلني هذه المرة؟… والله العظيم، هذا ما حدث بعدها ناديت روح أمي، أين دعواتك التي كنت أسير بها، على هداها، في كل وظيفة توليتها طوال حياتي.
وحقيقي كانت المرة الأولى في حياتي التي شعرت فيها بالإحباط للمستوى السيء الذي كانت عليه قرية الأقصر. ونظرت مرة أخرى من شرفة الاستراحة إلى نهر النيل، رمز العطاء لمصرنا الغالية عبر التاريخ، وساعتها قلت مادام نهرها يسير ويعطي شعبنا الحياة، فإنني يجب أن استكمل المسيرة.
وجلست أفكر طول الليل، وهداني تفكيري إلى أن أنفذ ما تعلمته في دراستي في أمريكا. في دبلوم إدارة أعمال Business Management. أن أي تطوير يجب أن يكون له خطة، وتكون لمدة من 20 إلى 25 عام. ويطلق علي خطة التنمية الشاملة Master Plan. وأذكر أنني سألت البروفيسور في أمريكا يومها لماذا 20 عاما ونحن لدينا في مصر الخطة الخمسية الأولى والثانية، وكانت إجابته هذا الأسلوب الخمس سنوات يتم في دول الاتحاد السوفيتي الشيوعية السابقة، ولكنها عموما تتم لموضوع معين. مثل الخطة الخمسية للصناعة أو الزراعة أو التعليم…. وهكذا، لكن الدولة والمؤسسات يجب أن تكون على الأقل لمدة 20 عام، ولا تزيد عن 30 عام.
وفي الصباح، بدأت إعداد خطة التنمية الشاملة للقصر Luxor Master Plan 2030. ولن أدخل طويلا في التفاصيل، لأنني نفذت فيها في سبع سنوات 82 مشروع، حاز منها أربع مشروعات على جوائز عالمية وعربية. المهم كانت إحدى المشاكل للأقصر أن هناك طريق واحد من المطار إلى منتصف المدينة إلى البر الغربي من خلال كوبري آخر خارج مدينة الأقصر يربط البر الشرقي والغربي، وكانت فكرة انشاء هذا الكوبري هو ان يكون خارج مدينة الأقصر حتي لا تتحول حوله العشوائيات التي تؤثر على شخصية هذه المدينة واعتقد ان ذلك الفكر كان صحيحا ايامها لذلك فان أي سائح قادم للأقصر يدخل من طريق المطار إلى وسط المدينة. وبعدها إلى الكوبري على مسافة 15 كم ويعبر منها للبر الغربي وهو المحور الوحيد للمدينة شرقا وغربا.
وكان أول تخطيط لي في مجال الطرق، هو إنشاء محور جديد للأقصر موازي لطريق المطار يبدأ من البر الشرقي ويمر عبر عوائق كثيرة سواء الطرق السريعة شرق الأقصر، طريق قنا والترع الموجودة في الشرق، وتخطي السكة الحديد، ثم يعبر النيل للبر الغربي. وهناك الترع أيضا، والطرق في البر الغربي لنصل إلى مقابر القدماء العظماء في البر الغربي، ومعبد حتشبسوت الدير البحري.
ولأن مشروع ال1000 ميل يبدأ بخطوة واحدة. فلقد انطلقت بشق هذا الطريق حيث دخلت لأول مرة عش الدبابير وهو نزع ملكية الأراضي الزراعية و حقيقا كان الفضل فيها أولا لوزير الزراعة أمين اباظة الذي سمح لي باستقطاع الأراضي الزراعية لإنشاء الطريق، وجاء دور الاهالي، حيث الاعتراضات والصراخ والعويل، والحمد لله إننا نجحنا في تدبير أموال التعويضات للأهالي ومنحهم أراضي جديدة يتم استغلالها للزراعة في الظهير الصحراوي.
ولن يصدقني أحد. لقد استغرقت هذه العملية. 3 سنوات كاملة بدأت في إنشاء الكباري، حيث كان هناك أسبقيات في توسيع طريق المطار، وأشكر بكل الفخر المشير طنطاوي، رحمه الله أنه وافق على استقطاع جزء كبير من أرض مطار الأقصر الذي كان تابع للقوات المسلحة وأنجح في لتوسيع طريق المطار ليكون. ثلاث حارات على كل جانب، وتم زراعته ليصبح أجمل طرق الصعيد.
وجاء استكمال الأمل في الطريق الجديد، ولكن جاءت أحداث ثورة 25 يناير 2011م، لتوقف كل أعمال التطوير في مصر، بعدها تولى الرئيس السيسي مقاليد البلاد، وقام بتطوير شبكة الطرق في مصر. وسعدت جدا بدخول هذا المحور في خطة تطوير الطرق في مصر، وبدأ في استكمال هذا المحور ليصبح بطوله 19،5 كيلو في اتجاهين، كل اتجاه ثلاث حارات بإجمالي ست حارات بعرض 30 م لكل اتجاه، وينشأ عليه عشر كباري أهمهم الكوبري الذي يعبر نهر النيل يربط البر الشرقي والغربي في الاقصر.
ولعل أهم نقاط أضيفت لهذا التخطيط أن هذا المحور سيكون نقطة التقاء بين حركة خط القطار الكهربائي في غرب النيل، الذي يربط القاهرة من 6 أكتوبر حتى أسوان، والقطار الكهربائي الثاني من الشرق يربط الغردقة في البحر الأحمر والأقصر، وهذا يعني أن سياحة البحر الأحمر. سوف تستغل هذا القطار لتصل إلى الأقصر، ومنه تستغل هذا المحور الجديد لتصل إلى البر الغربي في ساعة ونصف من الغردقة، بعد أن كانت هذه الرحلة تستغرق 5 ساعات من قبل.
لذلك أصبحت اهمية هذا المحور ليس لأهل الأقصر فقط ولتحركاتهم من شرق الأقصر إلى غربها، ولكن ليكون محور تبادلي للمدينة، بل أيضا لتنشيط سياحة اليوم الواحد التي سوف تستفيد منها مصر وشعب الأقصر.
لذلك أخيرا تحقق الحلم الذي حلمت به منذ عشرين عام، لكي يستكمل تنفيذه، بعد أن كنت فقدت الأمل. بعد أحداث 25 يناير، وجاءت المفاجأة في أن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدر قرار أن يطلق على هذا المحور اسم اللواء سمير فرج، تقديرا على جهوده في تطوير الأقصر، لتصبح أكبر متحف مفتوح في العالم، ولتضيف لصعيد مصر، محورا يربط الشرق بغرب الأقصر وتصبح إضافة جديدة لمصر في صعيدها والى سياحة الجنوب من الغردقة للأقصر.