حذر الله سبحانه وتعالى المؤمنين من المشركين فأورد ﴿ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾. [ سورة التوبة: 8]
إن شأن المشركين أن يلتزموا بالعهود ما دامت الغلبة لغيرهم أما إذا شعروا بالقوة على المؤمنين فإنهم لا يراعون القرابة ولا العهد فلا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم فإنهم يقولون لكم كلاماً بالسنتهم لترضوا عنهم ولكن قلوبهم تأبى ذلك وأكثرهم متمردون على الإسلام ناقضون للعهد.
﴿ يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ ﴾ أَىْ: يطيعونكم بِاَلْسِنَتِهِمْ خِلَافَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ، ﴿ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ ﴾، وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ ﴾ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فِى الْمُشْرِكِينَ وَكُلُّهُمْ فَاسِقُونَ فَكَيْفَ قَالَ: وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ؟ قِيلَ: أَرَادَ بِالْفِسْقِ نَقْضَ العهد هاهنا، وَكَانَ فِى الْمُشْرِكِينَ مَنْ وَفَّى بِعَهْدِهِ وَأَكْثَرُهُمْ نَقَضُوا فَلِهَذَا قَالَ: وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ. إن شأن المشركين أن يلتزموا بالعهود ما دامت الغلبة لغيرهم أما إذا شعروا بالقوة على المؤمنين فإنهم لا يراعون القرابة ولا العهد فلا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم فإنهم يقولون لكم كلاماً بالسنتهم لترضوا عنهم، ولكن قلوبهم تأبى ذلك، وأكثرهم متمردون على الإسلام ناقضون للعهد.
أى: كَيْفَ يكون للمشركين عند اللّه عهد وميثاق و الحال أنهم وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ بالقدرة والسلطة لا يرحمكم و لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ الّاً وَلَا ذِمَّةً أى: لا ذمة ولا قرابة ولا يخافون اللّه فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب، فهذه حالكم معهم لو ظهروا.
ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم فإنهم يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ الميل والمحبة لكم، بل هم الأعداء حقاً المبغضون لكم صدقاً، وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ لا ديانة لهم ولا مروءة.
( كيف وإن يظهروا عليكم ) هذا مردود على الآية الأولى تقديره : كيف يكون لهم عهد عند الله كيف وإن يظهروا عليكم! ( لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ) كيف لا تقتلونهم وهم إن يظهروا عليكم أي : يظفروا بكم لا يرقبوا : لا يحفظوا؟ و لا ينتظروا. وتقييد الإرضاء بالأفواه، للإشعار بأن كلامهم مجرد الفاظ يتفوهون بها من غير أن يكون لها مصداق فى قلوبهم.
وقوله: وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ أى: خارجون عن حدود الحق منفصلون عن كل فضيلة ومكرمة، إذ الفسق هو الخروج والإنفصال.
وإنما وصف أكثرهم بالفسوق، لأن هؤلاء الأكثرين منهم هم الناقضون لعهودهم الخارجون على حدود ربهم أما الأقلون منهم فهم الذين وفوا بعهودهم، ولم ينقصوا المؤمنين شيئاً ولم يظاهروا عليهم أحداً. وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد وصفت هؤلاء المشركين وصفا فى نهاية الذم والقبح، لأنهم إن كانوا أقوياء فجروا وأسرفوا فى الإيذاء، نابذين كل عهد وقرابة وعرف، أما إذا شعروا بالضعف فإنهم يقدمون للمؤمنين الكلام اللين الذى تنطق به السنتهم وتأباه قلوبهم الحاقدة الغادرة. أى أن الغدر ملازم لهم فى حالتى قوتهم وضعفهم لأنهم فى حالة قوتهم لا يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إالًّا وَلا ذِمَّةً. وفى حالة ضعفهم يخادعون ويداهنون حتى تحين لهم الفرصة للانقضاض على المؤمنين.
يقول تعالى محرضاً للمؤمنين على معاداة المشركين والتبرى منهم ومبيناً أنهم لا يستحقون أن يكون لهم عهد لشركهم بالله وكفرهم برسول الله ولو أنهم إذ ظهروا على المسلمين وأديلوا عليهم، لم يبقوا ولم يذروا، ولا راقبوا فيهم الا ولا ذمة . عن ابن عباس : الإل : القرابة والذمة : العهد.:أفسد الناس خلوف خلفوا قطعوا الإل وأعراق الرحم: ( لا يرقبون فى مؤمن الا ) لا يرقبون الله ولا غيره. قوله تعالى كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم الا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون قوله تعالى كيف وإن يظهروا عليكم أعاد التعجب من أن يكون لهم عهد مع خبث أعمالهم أى كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم الا ولا ذمة.
﴿ كيف ﴾ أَىْ: كيف يكون لهم عهدهم ﴿ و ﴾ حالُهم أنهم ﴿ إن يظهروا عليكم ﴾ يظفروا بكم ويقدروا عليكم ﴿ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ ﴾ لا يحفظوا فيكم ﴿ الاًّ ولا ذمَّةً ﴾ قرابةً ولا عهداً ﴿ يرضونكم بأفواههم ﴾ يقولون بالسنتهم كلاماً حلواً ﴿ وتأبى قلوبهم ﴾ الوفاء به ﴿ وأكثرهم فاسقون ﴾ غادرون ناقضون للعهد.