ميلاد نبينا وحبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أهم حدث في تاريخ البشرية منذ أن خلق الله الكون، إلى أن يرث الأرض ومن عليها، وقد وُلِدَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الاثنين بلا خلاف، والأكثرون على أنه لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، والمُجْمَع عليه أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وُلِدَ عام الفيل، وكانت ولادته في دار أبي طالب بشعب بني هاشم . لقد كان الناس في مكة قبل الإسلام يعيشون في ظلمات الشرك والجهل، وقد أخبرنا الله ـ عز وجل ـ عن أحوالهم قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }(الجمعة الآية: 2)، وكذلك أخبرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أحوال الناس قبل أن يوحي الله إليه فقال: ( ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب ) رواه مسلم . ويصور لنا جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أحوال الناس في مكة قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول للنجاشي ملك الحبشة: ” أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحُسن الجوار ” .
مولد نبي الهُدَي ونشأته :
في يوم الاثنين من ربيع الأول من عام الفيل أضاء الكون وشرف بميلاد سيد الخلق، وخاتم المرسلين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فعن قيس بن مخرمة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( ولدت أنا ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – عام الفيل ) رواه البيهقي، وعن أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُئِل عن صوم يوم الاثنين، فقال: ( ذاك يوم وُلِدْتُ فيه، ويوم بُعِثْتُ ـ أو أنزل عليَّ فيه ) رواه مسلم . وقد فقد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أباه قبل مولده، فوُلِدَ يتيما، وعلى عادة العرب أرسله جدُّه إلى البادية ليسترضع في بني سعد، وكانت حاضنته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدي،فلم يزل مقيمًا في بني سعد يرون به البركة في أنفسهم وأموالهم، حتى ردوه إلى جده عبد المطلب وهو في نحو الخامسة من عمره، ولم تلبث أمه آمنة أن توفيت في الأبواء ـ بين مكة و المدينة ـ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد تجاوز السادسة بثلاثة أشهر، وقد عاش ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رعاية جده عبد المطلب، وكان يحبه ويعطف عليه، فلما مات عبد المطلب كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الثامنة من عمره، فقام عمه أبو طالب بكفالته، فكان خير عون له في الحياة بعد موت جده، وكان أبو طالب سيدًا مطاعًا في قومه، مع ما كان عليه من الفقر، وكان يحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حبا شديداً، ويؤثره على أبنائه، وقد عمل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ برعي الغنم، مساعدةً منه لعمه، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟، فقال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ) رواه البخاري، وسئل – صلى الله عليه وسلم -: أكنت ترعى الغنم؟ فقال: ( نعم، وهل من نبي إلا رعاها ) رواه البخاري، ثم بعد ذلك اشتغل – صلى الله عليه وسلم ـ بالتجارة .