في جزء يسير من الليل نقل الله رسوله بجسده من مكة إلى بيت المقدس ثم عرج به الي السماء في أعجب رحلة في التاريخ الإنساني. رأي فيها آيات تلو آيات مما جعلها أكثر الليالي تميزا في عمر الدعوة الاسلامية. و إذا كان رسول الله أثبت للمعاصرين له حقيقة الاسراء الي بيت المقدس وذلك بما قدمه من ادلة مادية تؤكد صدق كلامه فإن المعراج لا يمكن التصديق به الا مع كامل الإيمان بصدق رسول الله وكامل الإيمان بقدرة الله. ومن ثم فلم تكن رحلة الإسراء والمعراج اختبارا لايمان المعاصرين لرسول الله فقط وإنما مازال اختبارها قائما الي يومنا هذا. بل الي يوم القيامة.
وقد بدأت قصة الإسراء و المعراج برؤيا رآها الرسول قبل الوحي ثم صارت حقيقة بعد البعثة. جاء ذلك التمهيد حتي يشعر الرسول بأنه مختلف عن الناس وبأنه سيكون رسول هذة الأمة وتمثل هذا التمهيد من خلال سنوات مرت قابل فيها جبريل كثيرا وقرأ في القرآن الكريم تفصيلات كثيرة عن السماوات السبع وما فيهن وعن الجنة والنار والملائكة وتعرف كذلك علي حياة الأنبياء و قصصهم ومكانتهم. ومن ثم أصبح قادرا علي تحمل الرحلة العجيبة بتفصيلاتها الكثيرة.
ولكي يقترب الناس من فهم معجزة الإسراء و المعراج (وخاصة الذين يستبعدون حدوثها) نذكرهم باينشتاين الذي ادمج المكان والزمان في نظرية النسبية الخاصة عام ١٩٠٥ حينما أعلن انه “ليس لنا أن نتحدث عن الزمان دون المكان ولا عن المكان دون الزمان و مادام كل شيئ يتحرك فلابد ان يحمل زمنه معه وكلما تحرك الشيئ اسرع فإن زمنه سينكمش بالنسبة لنا حوله من ازمنه مرتبطة بحركات أخري أبطأ منه” وبناء علي هذا الدليل المادي فإن تلك المعجزة يستحيل وقوعها لبشر عادي مهما سخر له العلم من طاقات أو سبل بمرور الزمن.
وتشمل معجزة الإسراء و المعراج ضمن ما تشمل السرعة الخارقة و القدرة المذهلة التي انتقل بها رسول الله في الشق الأول من المعجزة وهو الرحلة الأرضية من المسجد الحرام بمكة الي المسجد الأقصي بالقدس ثم السرعة و القدرة اللتان لا يستطيع الإنسان – مهما اوتي من علوم و تكنولوجيا- ان يحددهما وذلك في الشق الثاني من المعجزة وهو الرحلة العلوية أي الصعود من حيث إنتهت الرحلة الأرضية إلي الأعلي في رحلة سماوية اخترق الرسول بها طبقات الجو كلها وعبر أرجاء الكون سدرة المنتهي. حيث لا ولن يستطيع الإنسان الي تحديد اي شيئ فيها ولن يعرف عنها أي شيئ سوي ما اخبره به القرآن الكريم.
يقول الله سبحانه و تعالي :”سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع العليم”. وقد حدثت تلك المعجزة لغرض مهم وهو تمحيص قلوب المؤمنين بالرسول ليثبت قوي الإيمان وينكشف امر ضعاف الإيمان وخاصة ان الله سبحانه وتعالى يعد المسلمين لحدث عظيم بعد عام واحد و هو الهجرة الكبري من مكة الي المدينة لتأسيس أعظم مجتمع إسلامي عرفته البشرية علي الكرة الأرضية.