تقرير /عارف نبيه إرتبط في أذهان الجميع أن الخطوة الأولي في قيام إسرائيل هي وعد بلفور 1917. إلا أن التمهيد لقيامها يمتد بجذوره الي ما هو أبعد من ذلك فمن المؤرخين ما يؤكد أن نابليون بونابرت سبق بلفور بمائة عام في منحه هذا الوعد.
فقبيل الحملة الفرنسية علي مصر كان (توماس كوربت) اليهودي الايرلندي البارز قد أرسل رسالة الي (باراراس) عضو الدركتوار الفرنسي (حكومة الإدارة) ينصح فيها الفرنسيين باستعمار الشرق و العمل علي إيجاد وطن
لليهود في فلسطين يكون ركيزة لفرنسا داخل هذا الوطن وجاء في هذة الرسالة :” إن اليهود سوف يكونوا لكم عنصراً استعماريا ثابت الأركان يحل في آسيا محل الإمبراطورية العثمانية الآخذة في الانحلال
وسوف يقدم لكم هذا العنصر اليهودي أهم الضمانات لبث الفوضى وهدم الدين وإشعال الأزمات…..” لقيت تلك الرسالة اهتماما بالغا عقد علي أثره الإجتماع السري بين نابليون و يهود فرنسا و تمخض عن
مساومة مكشوفة بين نابليون و اليهود يصرف بمقتضاها اليهود علي نابليون و حروبه علي أن يقتسم الطرفان الغنائم.. لنابليون السلطة و المجد و لليهود العائد المادي و نشأة إسرائيل.
وبناء علي هذا الإجتماع صدر بيان يهودي اعترفوا من خلاله بأنهم بلغوا ال6 ملايين نسمة و منتشرين في كل بقاع العالم وفي حوزتهم ثروات و أموال طائلة وان عليهم العمل وبكل قوة لاستعادة بلدهم وأن الفرصة
سانحة ويجب استغلالها بكل الوسائل المتاحة لتحقيق مشروعهم المقدس علي النحو التالي :
إقامة مجلس يهودي عالمي ينتخب من يهود 15 دولة معظمهم دول أوروبية الي جانب دول آسيوية و أفريقية و تكون قرارات هذا المجلس بمثابة قانون ملزم ويتم تبليغ الاقتراحات الي الحكومة الفرنسية إذا اقتضي الحال ذلك.
اما البلاد التي تنوي قبولها مع فرنسا هي :إقليم الوجه البحري من مصر الي عكا و البحر الميت الي البحر الأحمر.. وصرح زعماء اليهود أن هذا المكان من العالم هو الأكثر ملائمة من أي بقعة في العالم وأنهم سيصبحوا قابضين علي تجارة الهند و بلاد العرب و أفريقيا الجنوبية و الشمالية ولن تتأخر إثيوبيا عن
إقامة علاقات تجارية معنا بمحض رضاها. فهي البلاد التي قدمت للملك سليمان الذهب والعاج و الجواهر الكريمة ثم ان مجاورة حلب و دمشق لنا تسهل تجارتنا و موقع بلدنا علي ساحل المتوسط يمكننا من إقامة
مواصلات سهلة مع سائر الدول أوروبا.. إن هذا المكان المتوسط من العالم سوف يصبح و كأنه مستودع لجميع الحاصلات التي تنتجها الأرض الغنية حوله.. أما
الإتفاقيات و الترتيبات الأخري باقتراحاتنا للباب العالي فلا تنشر علنا وسوف نضطر لإبقائها منوطه بحسن إدارة الأمة الفرنسية “
و في أثناء حصاره لعكا خاطب نابليون اليهود بأنهم ورثة فلسطين الشرعيين وأنها فقدت منهم وسوف يسترجعها لهم وان هذا هو العدل.. وان العناية الإلهية ضمنت له النصر!!
ولكنها مزاعم كذبتها العناية الإلهية في الحال وعاد يجرجر أذيال الهزيمة وفر هارباً في جنح الظلام ولكن ماذا بعد نابليون؟!
مات نابليون كمدا في منفاه و بدأ زعماء اليهود في توطيد علاقاتهم بزعماء أوروبا وبخاصة بريطانيا التي ارتفعت أسهمها بعد هزيمة فرنسا ونهاية نابليون وكذا ألمانيا و إمبراطورية النمسا و المجر و روسيا والسلطان العثماني و بابا الكنيسة الكاثوليكية.
في مؤتمر بازل بسويسرا 1897 تنبهت الصهيونية الوليدة علي يد تيودور هرتزل الي ضرورة الحصول علي دعم القوي الكبري ذات التأثير في فلسطين و المنطقة
قام (حايبم وايزمان) الذي خلف هرتزل بالسير في نفس الإتجاه وخلال الحرب العالمية الأولى نشط زعماء اليهود للحصول على تأييد كافة الأطراف المتحاربة وجندوا عدد من رجال السياسة و الصحافة و الفكر
لخدمة المطالب الصهيونية أمثال (وايزمان سكوت) محرر جريدة المانشستر جارديان و (لويد جورج – هربرت صموئيل)
وهكذا و بإنتهازبة سياسية نادرة سعت الحركة الصهيونية الي الاستفادة من كل الدول وخاطبت كل منها باللغة التي تفهمها و بالحجج التي تستثيرها بحيث تخرج الحركة مستفيدة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مهما كانت نتائجها.
في الثاني من نوفمبر 1917 أي قبل أن يحتل الجيش البريطاني فلسطين أصدر آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا ما يعرف اليوم بوعد بلفور.
ومع أن وعد بلفور يشار إليه عادة علي أنه وثيقة بريطانية إلا أنه في الحقيقة يعبر عن الموقف السياسي للدول الغربية الأخري فقد لعبت الولايات المتحدة دورا أساسيا في إصداره وكان للرئيس الأمريكي ويلسون
تعديلات علي المسودة الأولي لوعد بلفور و كان الموقف الأمريكي من العوامل المشجعة لبريطانيا من إصدار التصريح وخاصة بعد ازدياد الدور العسكري و الاقتصادي الأمريكي في دعم الحرب. لذلك لم يكن من
الغريب أن قال وايزمان : “كان هذا التأييد من أهم العوامل التي شجعت الحكومة الإنجليزية علي الموافقة علي التصريح”. بعد صدور التصريح توالي التأييد الغربي فايدته فرنسا في فبراير 1918 وتبعتها إيطاليا في مايو من نفس العام ثم بقية دول الحلفاء.
أثناء عقد مؤتمر الصلح بباريس في يناير 1919 سعت الحركة الصهيونية للحصول علي وثيقة دولية تتضمن ما ورد في وعد بلفور و عبر الرئيس الأمريكي ويلسون عن موقف حكومته في مارس 1919 حين قال :”قررت
الأمم المتحالفة بالإضافة إلي التأييد القوي لحكومتنا و شعبنا وضع الأساس للدولة اليهودية في فلسطين”!! وقد أثمرت هذة الجهود عن نص وثيقة صك الانتداب البريطاني علي فلسطين الصادر في 1922 و الذي تضمن مضمون وعد بلفور فتقرر :
تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن وضع البلاد في أحوالها السياسية و الإدارية و الاقتصادية تضمن انشاء الوطن القومي اليهودي بينما تقرر المادة الرابعة الإعتراف بوكالة يهودية كهيئة عمومية لاسداء المشورة الي إدارة فلسطين و التعاون معها في الشئون
الاقتصادية و الاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين.
و الغريب أنه لا توجد سابقة دولية أخري تشابه ما تم وصفه في هذا التقرير و لا توجد وثيقة فريدة في غرابتها مثل وعد بلفور!!. فقد وعدت الحكومة البريطانية بتقديم أرض لا تملكها وليس لها صفة
قانونية فيها بل لم تكن حتي تسيطر عليها عسكريا عند صدور هذا الوعد. و يزيد من غرابة هذا الوعد أنه ورد في شكل خطاب من وزير الخارجية الانجليزي الي مواطن انجليزي. وأخيراً و بمقتضي هذا الوعد تعهدت الحكومة
الإنجليزية أن تعطي أرضا كانت تابعة للدولة العثمانية الي اليهود الذين كانوا يعيشون في كل أنحاء الدنيا وقتذاك ولا يمثلون في فلسطين سوي أقلية ضئيلة تمثل أقل من 10%من السكان !!.
و الآن وبعد مرور أكثر من مائة عام علي صدور وعد بلفور يخطط لنا (ترامب – نتنياهو) مستقبلنا.. فهل نستوعب جميعا مابين سطور ما يعرف بصفقة القرن؟!!!!!!!!.