الأدب في رأيي هو حالة جمالية متكاملة، وهو القدرة على خلق هذا الجمال وتعزيز معناه في نفوس المتلقين. وهو رسالة أيضًا مفادها الارتقاء بالوعي الجمعي والثقافة المجتمعية
على حد سواء. فإن لم يترك الأدب أي تأثير إيجابي في ذهن القارىء فهو يفتقد إلى عنصر أساسي من عناصره. إذن فليس كل ما يكتب في الوقت الراهن ويطرح على الساحة يمكن اعتباره
أدبًا من الأصل. فالكثير من النصوص وللأسف الشديد أصبحت تفتقر إلى كل المقومات التي تجعل منها في النهاية نصًا أدبيًا يمكن أن يندرج تحت أي تصنيف من التصنيفات. وبالطبع لا يمكن تعميم هذا القول على جميع العناوين المطروحة
على الساحة الآن، فلا يزال هناك نصوصًا جيدة، بل ومتميزة أيضًا. ولكن في كلتا الحالتين سواء كان النص لا يحمل بين طياته أي من العناصر التي تجعله يرتقي إلى مصاف النص الأدبي،
أو كان متميزًا، فلست مع تمييزه عنصريًا بأي حال من الأحوال ولا تصنيفه على أساس جنس كاتبه أو جنس الموضوع الذي يتناوله. وأرى أن مصطلح الأدب النسائي في حد ذاته
هو مصطلحًا عنصريًا لا يتماشى مع مفهوم الأدب والعمل الأدبي، ولا عناصره المتعارف عليها والمشكلة له. فالأدب في النهاية يجب أن يكون إنسانيًا لا رجاليًا أو نسائيًا.
وإشكالية الأدب النسائي لا تمكن فقط في كونه تصنيفًا عنصريًا لا يليق بمفهوم الأدب في العموم، ورسالته السامية، ولكن أيضًا في التعريفات التي صيغت للتعبير عنه، والتي فقدت معناها ومحتواها كذلك بمرور الوقت. فالبعض عرفه
بأنه الأدب الذي تكتبه النساء أي النصوص المكتوبة بأقلام نسائية، والبعض الآخر عرفه بأنه الأدب الذي يكتبه رجل أو امرأة ولكن للتعبير عن قضايا
وموضوعات نسائية. وفي كلا التعريفين قصور كبير يتنافي مع التعريف العام والشامل لأي نص أدبي، هذا بخلاف أن البعض الآن أصبح يستخدمه دلالة على سطحية بعض النصوص
أيضًا، والتي تعج بموضوعات مستهلكة تدور حول المرأة ومشكلاتها المجتمعية. فأصبح مصطلح الأدب النسائي بمثابة سبة أو اتهام للأقلام النسائية وكأن المرأة لاتصلح لأن تكون صاحبة قلم وفكر. بالرغم من أن التاريخ القديم والمعاصر
مليء بنماذج كثيرة لنساء استطعن خوض مجال الأدب والفكر باقتدار وتميز مثلهن في ذلك مثل الرجل تمامًا بل وتفوقن على بعض الرجال أيضًا في هذا المضمار.
فالإشكالية إذن ليست فيمن يكتب أو في جنس الكاتب، ولكن في فكر من صاغوا هذا المصطلح من الأساس ومن روجوا له ورسخوه في وجدان القراء والكتاب معًا، حتى بات يشكل انتهاكًا واضحًا لكل القيم الإنسانية والأدبية
على حد سواء. إن المجتمعات كافة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخلو من النساء أو الرجال، فليس ثمة مجتمع على وجه الأرض يمكن أن يطلق عليه مجتمع رجالي محض أو نسائي
على إطلاقه. فالرجل والمرأة معًا هما الأساس الذي بنيت عليه الحياة بأكملها، كذلك النصوص الأدبية لا يمكن أن نجد نصًا خاليًا تمامًا من تواجد الرجل بين طياته، أو متفردًا بالمرأة
وحدها كما الحياة نفسها. إذن فاستخدام مصطلح الأدب النسائي في كل الأحوال يشوبه عوار بشكل أو بآخر. ولا يصف النص الأدبي وصفًا دقيقًا أو سليمًا. صحيح أن هناك على مر العصور
من اهتموا بالكتابة عن المرأة وحقوقها المسلوبة في بعض الآونة، ولكن لا يمكن تصنيف هذه الكتابات أيضًا على أنها أدب نسائي، لأنها في مجملها تتحدث عن حقوق إنسانية في المقام الأول، حقوق لم تكن المرأة تحظى بها في وقت من الأوقات
نتيجة لاعتبارات كثيرة في المجتمع أو بسبب ثقافات مغلوطة، ساهمت تلك الكتابات في تصحيحها وإعادتها إلى المسار الإنساني القويم.
وعن نفسي ككاتبة وروائية أرفض تمامًا هذا المصطلح، وأراه مصطلحًا عنصريًا ينتقص من قيمة الأدب الإنساني ويشوهه، ويرسخ في أذهان القارىء مفاهيم مغلوطة عن الأقلام النسائية، وينتقص كذلك من قدر المرأة التي كرمها الله بالعقل
كما كرم الرجل. بل ويعمل أيضًا على اتساع الهوة الثقافية والفكرية بين قطبي المجتمع والحياة، الرجل والمرأة. فليس هناك أدب أبيض وأدب أسود بلون بشرة كاتبه، حتى نسلم بواقع وجود أدب رجالي وأدب نسائي. كما لا يمكن اعتبار الكتابة
عن حقوق المرأة أو قضاياها أدبًا نسائيًا، وإلا أصبح لزامًا علينا أيضًا تدشين مصطلح الأدب الحيواني على كل النصوص أو الكتابات
التي تدافع عن حقوق الحيوان في أي مكان في العالم. . فالأدب في النهاية أدب وفقط، لا يجوز تصنيفه أو تمييزه تمييزا عنصريًا بأي شكل من الأشكال.