حين يسمع البعض مصطلح “الثقافة”، على الفور يتبادر إلى أذهانهم القراءة والاطلاع في أي من مجالات المعرفة المختلفة،
إلا أن معنى الثقافة أوسع وأشمل. فالثقافة ليست ما نقرأه وحسب في الكتب، ولكنها أيضًا ما نمارسه من عادات وسلوكيات في حياتنا اليومية سواء في المنزل أو العمل أو حتى الشارع.
وتلك السلوكيات التي نمارسها تحديدًا في الأماكن العامة، هي ما يعرف بالثقافة المجتمعية، وهي المعيار المحدد لتحضر المجتمعات البشرية، والتي يمكن الاستدلال من خلالها
على مدى ارتقاء المجتمع. وهو الأمر الذي بات مجمتمعنا يفتقر إليه في العصر الراهن في شتى المناحي، فأصبحنا نعيش في فوضى عارمة عمت كل شيء في حياتنا مع الأسف الشديد.
والثقافة في الأساس هي سلوك مكتسب وليس فطريًا، مما يعني أنه يمكن تعديلها وإعادة صياغتها في أي مرحلة عمرية للإنسان، وأنه يمكن تقويمها في حال ما إذا أصابها إعوجاج
أو خلل، كما هو الحال الآن. الغالبية العظمى منا يحنون بشكل دائم إلى الزمن الماضي، لما كان يتسم به المجتمع من رقي في تعامل أفراده مع بعضهم البعض، ومع كل الموجودات من حولهم في ذلك المجتمع. كما أن غالبيتنا أيضًا، يشتكي
من التردي العام الذي أصاب المجتمع بأكمله في مقتل، وجعلنا جميعًا نعاني بصفة يومية، وتحديدًا في الشارع أو في أي مكان عام، وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت
جزء لا يتجزأ من حياتنا كذلك. وبادىء ذي بدء، فالانهيار الثقافي الذي بلينا به، إنما مرجعه في الأصل لقصور في تربية النشء على السلوكيات القويمة، والتي من شأنها أن تخرج للمجتمع
نماذجًا سوية نفسيًا وفكريًا، يمكنها التعايش والتعامل مع الآخر بلا ضغائن أو أحقاد، ويمكنها أيضًا استيعاب الجمال بمعناه العام والحفاظ عليه في كل ما هو كائن بالمجتمع. إننا لم نعد ذلك المجتمع الإنساني،
الذي يوقر فيه الصغير الكبير، والذي يرحم فيه القوي الضعيف، بل صرنا أقرب إلى العشوائية والهمجية منا إلى التحضر، وهو الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية إن لم نتداركه قبل فوات الأوان
. فتردي الثقافة ليس بالمسألة الهينة كمان يظن البعض، فاستمرار هذا التردي يعني انهيار المجتمع بأكمله، وهو ما يجب علينا جميعًا العمل على التصدي له بكل ما أوتينا من إمكانات
حتى نستعيد مكانتنا اللائقة بنا بين الأمم. فالكل يتشدق بحضاراتنا التي كانت، والجميع ينعي حظوظنا العاثرة في الوقت الحاضر، والقليل فقط من يعي الأسباب الحقيقية التي أدت
إلى تراجع تلك الحضارة واندثارها في زمننا المعاصر. ومن الأهمية بمكان أن يتم تسليط الضوء على هذه الأسباب والمشكلات الناجمة عنها، والعمل على إيجاد حلول جذرية لها. فالمشكلة ليست فردية بأي حال من الأحوال، فهي ناتجة
عن عدة عوامل مشتركة أدت إلى وجودها وتفاقمها على مدار سنوات متعاقبة. أولها غياب التربية الصحيحة بالمنزل، وغياب الدور التربوي أيضًا في المدرسة منذ المراحل
التعليمية الأولى والتي تشكل حجر الأساس في حياة أي فرد في المجتمع. بالإضافة إلى الدور السلبي الذي لعبته السينما والدراما في السنوات الماضية في تشكيل الوعي الجمعي وتوجيهه إلى ممارسة كل أنواع الثقافات الفوضوية
، بدءا من انتشار العشوائية والعنف في الشارع المصري، ومروروًا بكل ما يهدم القيم الأصيلة التي كان المجتمع يتسم بها فيما مضى، وانتهاء بالبلطجة والجريمة.
ولكي نخرج من هذه الدائرة المفرغة والمدمرة، علينا البدء في اتخاذ خطوات حقيقية على طريق تصحيح مسار الثقافة العامة في المجتمع بأكمله.