عرمان يكشف قضايا الثورة والثورة المضادة بالسودان السودان/ شاديه الحصرى *سكان الكنابي وحقوق المواطنة والسلام الاجتماعي وجوبا* *مسارات التفاوض والتمثيل الحقيقي لأصحاب القضايا* *العلمانية وتقرير المصير والسلام ورؤية السودان الجديد* *المسيحيون ومفاوضات السلام* *(ملايقة شراكة منتجة للخروج إلى وطن منتج)* *لبنان الجديد ومحددات الطائفية والدين* *سكان الكنابي وحقوق المواطنة والسلام الاجتماعي وجوبا* اكد نائب الأمين العام الحركه الشعبيه شمال ياسر عرمان خلال اجتماعات جوبا تم الإتفاق على عدة مسارات للتفاوض تترواح بين قضايا إنهاء الحرب إلى قضايا ناتجة عن خطل السياسات الإقتصادية والتوجهات الطفيلية غير المنتجة للنظام السابق والانظمة من قبله ايضا، لاسيما إن سياسياته قد اختلفت كما ونوعا عما سبقه من أنظمة وأدت إلى تهميش الأغلبية الساحقة من السودانيين من مختلف الإنتماءات الجغرافية والإثنية، وهي قضايا ذات أبعاد مركبة بينها ما هو طبقي وإثني وديني وقضايا النوع. وعلى الرغم من تداخل الحرب ومسبباتها مع هذه القضايا لكن يجب التمييز بدقة ووضوح بين إنهاء الحرب وتحقيق السلام وسياسات بناء النظام الجديد، بل إن إنهاء الحرب هو نفسه مدخل لبناء النظام والجديد والسياسات الجديدة. تطرقنا في الحركة الشعبية لقضية الكنابي في مناسبات عديدة ومختلفة، وفي الفترة من عام 2005 إلى 2011 عملنا مع الناشطين في هذه القضية والعديدين منهم اعضاء في الحركة الشعبية، و في عام 2017 تطرقت لهذه القضايا في ورقة قدمتها في منبر لمناقشة قضايا مشروع الجزيرة التي ظلت تتصدر اهتمامات الصديق الأستاذ صديق عبد الهادي. قضية سكان الكنابي متعلقة بقضايا العمال الزراعيين وخطل علاقات الإنتاج في المشاريع الزراعية والتمييز الإقتصادي والإجتماعي الذي مارسته الحكومات المتعاقبة مما أدى في نهاية المطاف لتدمير كافة المشاريع الزراعية وعلى رأسها مشروع الجزيزة الذي حمل السودان فوق أكتافه سنين عددا. هذه القضية فطن لها بذهن نابه ومتقد الثوري الراحل يوسف عبد المجيد في الستينيات قبل أي شخص أخر في كتيبه الموسوم (أجراء الريف) والذي دعا فيه إلى الأنحياز إلى أجراء الريف وفقراء المزارعين في عمل المنظمات الديمقراطية، ويوسف عبد المجيد من بناة حركة المزراعين في النيل الأزرق العريض. تطورت هذه القضية بفعل سياسات نظام الإنقاذ وإنهيار البنية التحتية والإنتاجية في الريف، وتناولها رأس النظام في أحاديثه الخاصة والعامة بشكل مقزز، وهي قضية بحاجة إلى إعادة النظر في السياسات الإقتصادية والإجتماعية وعلاقات الإنتاج في المشاريع الزراعية والإندماج والسلام والإجتماعي القائم على حق المواطنة والحقوق الإقتصادية والإجتماعية في حزام عريض يمتد في مناطق زراعية واسعة، وهذه القضية يجب أن لا تستخدم لإثارة التناقضات الإثنية والجهوية وتحميل مجتمعات المشاريع الزراعية كلفة السياسات الخاطئة للدولة أو أستخدامها في الصراع الحزبي ومحاولات التعبئة والتجنيد والإنتخابات مبكرة أو في مواعيدها بل يجب حلها على أسس صحيحة بإنصاف سكان الكنابي وإزالة الغبن الذي لحق بهم بتبني الدولة سياسات جديدة وتغيير وجه الريف إلى وجه منتج والإنحياز إلى فقراء المزارعين والعمال الزراعيين وتعديل علاقات الإنتاج لمصلحتهم. إن الحياة تبتسم ليوسف عبد المجيد وتعيد القضايا التي أثارها منذ ما يقارب نصف قرن بشاكلة جديدة ووقائع أجد. نعم للإنصاف وتوحيد المجتمعات الريفية الزراعية بسياسات جديدة تؤسس للمصالحة والسلام الإجتماعي والإبتعاد عن تبديل الضحايا بضحايا أخرين. *مسارات التفاوض والتمثيل الحقيقي لأصحاب القضايا* نجحت الجبهة الثورية في إعادة قضايا كثيرة ومنسية إلى واجهة الأحداث والحياة وبل إلى طاولة التفاوض، ولكي يكتمل المعروف ويتحقق الإنصاف هذا يحتاج إلى عمل واسع يتخطي مرحلة الإعتراف إلى تمثيل حقيقي إلى أصحاب هذه القضايا وأن يتولوا أمرهم بأنفسهم وأن يمثلوا في طاولة التفاوض بالأصالة لا بالوكالة، وأن تحل هذه القضايا بإنصاف المتضررين وبسياسات جديدة بعيدا عن إقتسام كيكة السلطة لمصلحة النخب. إثارة هذه القضايا يستحق الترحيب والمؤازرة وأن يتولى أصحابها الحوار والتفاوض حولها ويحتاج ذلك لتنسيق وجهد جماعي ومشترك وبناء شراكة بين الحاكمين والمحكومين. *العلمانية وتقرير المصير والسلام ورؤية السودان الجديد* قرات تصريحا غير مسبوق، طوال أكثر من ثلاثة عقود شاركت فيها في محادثات السلام، وقد صرح أحد الناطقين الرسميين بتصريح مفاده بإن إثارة قضية تقرير المصير ماهي إلا موقف تفاوضي، إذا ترجمنا هذا التصريح إلى لغة الحياة العادية فإنه مثل من ياخذ (بقرة) لبيعها في السوق ويقول للراغبين في الشراء بأننا أطالب بمائة جنية ثمنا لها ولكني أقبل بخمسين جنيها! فمن الذي يشتري منه بمائة جنية في مثل هذه الحالة؟!! كيف لمفاوض أن يكشف حده الأدني في التفاوض؟ الأهم من ذلك أن إستخدام القضايا الإستراتيجية دون إلتزام مبدئي وأخلاقي مكلف سياسيا لاسيما فان الوقت وقت تغيير وثورة. قلنا دوما بان حق تقرير حق ديمقراطي غير معزول عن الوقائع السياسية والجغرافية والرؤية الفكرية، وطرحه في المنطقتين محفوف بتعقيدات عديدة يمكن تعداد بعضها: 1. طرحها على أساس أثني يمايز بين السكان المحليين على أساس ومعايير غير حق المواطنة يهزم الحق نفسه ويؤدي إلى حروب اثنية وإطالة أمد الحرب بينما الغرض من حق تقرير المصير هو الوصول إلى سلام دائم والخروج من دائرة الحرب اللعينة. 2. المنطقتان على عكس الجنوب بهما قبائل عربية وغير عربية لا تطالب بحق تقرير المصير مما يجعل هذه الحالة أكثر تعقيدا من جنوب السودان. 3. حدود الجنوب الجغرافية معلومة منذ 1956 وقضيته حاضرة في الأجندة الإقليمية والدولية بابعاد معروفة ومؤاتية لحق تقرير المصير. 4. طرح حق تقرير المصير على هذه الشاكلة ينسف اي أساس لبناء حركة في كل السودان ويجعل من أعضاء الحركة خارج المنطقتين يخوضون معركة في غير معترك، ويجعل من رؤية السودان الجديد نفسها آلية لتقسيم السودان أكثر منها رؤية لتغيير السودان وبناء سودان جديد. 5. المجموعات المعنية بهذا الحق نفسها لن تتخذ موقفا موحدا، فقوميات مهمة مثل النوبة لعبت دورا تاريخيا في توحيد السودان يوجد معظمهم خارج الحدود الجغرافية لجبال النوبة. 6. في النيل الازرق أصبح السكان الذين يتم المطالبة بحق تقرير المصير بإسمهم أقل عددا من المجموعات الأخرى التي ستصوت في أي استفتاء حول هذه الحق، لا توجد حدود جغرافية بين المنطقتين مما يؤدي إلى تقسيم الحركة الشعبية نفسها فوق تقسيمها الحالي، فمن تخدم هذه الإستراتيجية؟ 7. الوضع الإقليمي والدولي الحالي لاسيما في بلدان الجوار المباشرة لا تؤيد مثل هذه المطالب، وتصريح نائب رئيس دولة الجنوب كان داويا ومباشرا. 8. هذا المطلب يعزل مطالب المنطقتين من قوى عريضة في المجتمع السوداني ويحرمها من تعاطف القوى الوطنية والديمقراطية ذات العلاقات الوثيقة مع الحركة الشعبية. 9. حق تقرير الإثني يناقض رؤية السودان الجديد والدعوة لوحدة افريقيا المشبعة بجغرافية الإثنيات المتنوعة ويعمل على تفتيت افريقيا لمصلحة الإستعمار الجديد، وذكرت ذلك تفصيلا في ورقة حول تجديد الحركة الشعبية بعنون (نحو ميلاد ثان لرؤية السودان الجديد.. قضايا التحرر الوطني في عالم اليوم) الصادرة في عام 2017. 10. الذين طرحوا هذا الحق استبعدوا من وفدهم قطاعات هامة وقيادات قادت الحرب وأتوا بافراد من خارج المنطقتين وطرحوا قضايا خارج المنطقتين مما يلقي بظلال حول جدية هذا الطرح. 11. إن الحركة الشعبية اليوم بحاجة إلى رد الإعتبار لرؤية السودان الجديد لاسيما وإن ثورة ديسمبر السودانية قد أعادت طرح هذه الرؤية، وطالبت ببناء السودان الجديد. إن الحركة الشعبية يجب أن تعمل على توحيد نفسها وتوحيد السودان، والحركة الشعبية لن تتمكن من جذب السودانيات والسودانيين إلى صفوفها وخلق علاقات إستراتيجية مع القوى الإجتماعية الجديدة إلا بالرجوع إلى منصة التكوين والدعوى لوحدة السودان على أسس جديدة. أما فيما يخص علمانية الدولة، فهي طرح صحيح في توقيت خاطئ، والحركة الشعبية حركة علمانية وكذلك رؤية السودان الجديد، ولكن العلمانية ليست شرطا لانهاء الحرب ولن تكون شرطا لعودة النازحين واللاجئين بالضرورة ولا يمكن أن ياخذ سكان المنطقتين على عاتقهم دفع فاتورة ثمن علمانية السودان لوحدهم بمعزل عن الحركة السياسية السودانية. السلام نفسه (مدماك) مهم على طريق مدنية وعلمانية الدولة. يجب طرح هذه القضية كما طرحناها في أديس أبابا في الفترة من 2011 إلى 2016 في 18 جولة للتفاوض على اساس إعطاء حق التشريع كاملا غير منقوصا لسكان المنطقتين، هذا هو الأوفق والأجدى، والقضايا الإستراتيجية لا تطرح على سبيل المناورة، وحينما طرح الجنوب في إعلان مبادئ حق تقرير المصير مقابل الشريعة فإن الجنوب كان يعني ما يقول بتركيبته وتاريخه المعروف ولم يكن ذلك على سبيل المناورة. إن هذا الطرح إن كان إستراتيجيا سيطيل أمد الحرب في المنطقتين ويفوت فرصة نادرة للتسوية هذه الأيام يستحقها سكان المنطقتين عن جدارة وتضحية وهم أصحاب قضية عادلة، وقضيتهم ليست نسخة تقبل التعامل على طريقة أنسخ والصق، فتجربة الجنوب غير قابلة للنسخ واللصق. إثارة العلمانية دون تدبر وفي هذا الوقت مدعاة لتوحيد الإسلاميين وصعود التيارات المتطرفة في أوساطهم على حساب التيار الإسلامي المعتدل، وعلينا على الدوام التعامل بمبدئية مع التيار الإسلامي المعتدل والراغب في التغيير والعمل على عزل التيارات المتطرفة التي تعمل على دفع السودان للإنهيار وتتخذ من قضية العلمانية شعارا للتعبئة وهي تيارات لا يحرك ضميرها إنصاف الفقراء ولا تتورع من إفساد الدين والدنيا وقد اضرت بالإسلام والسودان قبل أن تضر بغيرهما. *المسيحيون ومفاوضات السلام* بعد الثورة تراجع الإهتمام بقضايا المسحيين السودانيين وبحاجة إلى طرح سياسات واضحة لإنصافهم فهم من أكثر الفئات التي عانت من فاشية النظام السابق حتي إن النادي الكاثوليكي نفسه أصبح مقرا للمؤتمر الوطني، وتمثيلهم في مجلس السيادة خطوة ولكن قضيتهم يجب وضعها في نصابها كاحد قضايا المواطنة بلا تمييز لاسيما ونحن نتحدث عن بناء دولة مدنية. *(ملايقة شراكة منتجة للخروج إلى وطن منتج)* يظل دعم الحكومة الجالية والحفاظ على علاقة شراكة بين مكوناتها أمر فى غاية الأهمية فالوضع الحالي معقد ومتجاذب الأطراف والخطر على الجميع هو من دولة التمكين التي لا يمكن أن تقبل الفطام وتترك الرضاعة وعلى قوى الثورة والتغيير، وهي قوى متبانية وذات خلفيات وأهداف نهائية غير متطابقة، وتضم القوات النظامية (الجيش والدعم السريع) وحركات الكفاح المدني (الحرية والتغيير) والمسلح، وهي بحاجة إلى (ملايقة) شراكة لا تستبعد اي طرف من الأطراف لمنع عودة النظام القديم وإستبعاد اي طرف من أطراف المعادلة تؤدي إلى خلل في كافة المعادلة، وهذا بحاجة إلى جهد جبار على أساس برنامج الحرية والسلام والطعام والمواطنة بلا تمييز، وبحاجة ايضا إلى نسج علاقات متوازنة بين أطراف المعادلة. *لبنان الجديد ومحددات الطائفية والدين* رسم الشباب اللبناني لوحة إنسانية باهرة على درب بناء لبنان جديد يخرج من محددات الطائفية والتقسيمات الدينية نحو بناء وطن لجميع اللبنانيين وهي مهمة من مهام البناء الوطني تواجه شعوب كثيرة و بلدانا متقدمة إقتصاديا. وقد تحدى اللبنانيون، وما اجملهم، الدولة بشقيها الرسمي ودولة القطاع الخاص والتي هي دولة داخل دولة، وخرجوا في الجنوب وفي الشمال وفي بيروت بصوت موحد بمطالبين بدولة المواطنة التي توفر الأمن والطعام والحريات للجميع، وهتفوا جميعا بصوت يشبه صوت فيروز وهم خارجون من ضيق احذية الطوائف إلى رحابة وطن يسع الجميع، وهذه قضية سوف تواجه تحديات داخلية وخارجية من خاسرين كثر. إن (اللبنانوية) الجديدة أتت إضافة نوعية لفكر الحركات الجماهيرية السلمية المدنية التي ترسم افاقا جديدة في الجزائر والعراق والسودان. إن بلادنا مهمة مثل العراق لهي أكبر من أن تحطمها الطائفية وهي بلدان ذات تاريخ وطني ضارب الجذور ولن يغسل ما علق بها من تشوهات إلا هذا النهوض الجماهيري الجديد فليعود لبنان والعراق إلى اهله الحقيقين بعد سنوات طويلة من الغربة والغياب وسحق الأحلام الوطنية من قبل القوى الداخلية والخارجية. المجد للشباب اللبناني الذي اجترح طريقا جديدا وممكنا، ونحن السودانيون نرفع القبعات لشباب وصبايا لبنان رغم التعقيدات التي تواجههم، إن طريقهم سينهي كراهية الطوائف حينما يتم بناء لبنان جديد فالكراهية غير موجودة في الفردوس، وما أجمل الإنسان حينما يكسر التابوهات الموغلة في القدم. إن الذي يمضي في هذا الطريق سيصل وسيكون يوما ما يريد.
*سكان الكنابي وحقوق المواطنة والسلام الاجتماعي وجوبا*
*مسارات التفاوض والتمثيل الحقيقي لأصحاب القضايا*
*العلمانية وتقرير المصير والسلام ورؤية السودان الجديد*
*المسيحيون ومفاوضات السلام*
*(ملايقة شراكة منتجة للخروج إلى وطن منتج)*
*لبنان الجديد ومحددات الطائفية والدين*
*سكان الكنابي وحقوق المواطنة والسلام الاجتماعي وجوبا*
اكد نائب الأمين العام الحركه الشعبيه شمال ياسر عرمان خلال اجتماعات جوبا تم الإتفاق على عدة مسارات للتفاوض تترواح بين قضايا إنهاء الحرب إلى قضايا ناتجة عن خطل السياسات الإقتصادية والتوجهات الطفيلية غير المنتجة للنظام السابق والانظمة من قبله ايضا، لاسيما إن سياسياته قد اختلفت كما ونوعا عما سبقه من أنظمة وأدت إلى تهميش الأغلبية الساحقة من السودانيين من مختلف الإنتماءات الجغرافية والإثنية، وهي قضايا ذات أبعاد مركبة بينها ما هو طبقي وإثني وديني وقضايا النوع. وعلى الرغم من تداخل الحرب ومسبباتها مع هذه القضايا لكن يجب التمييز بدقة ووضوح بين إنهاء الحرب وتحقيق السلام وسياسات بناء النظام الجديد، بل إن إنهاء الحرب هو نفسه مدخل لبناء النظام والجديد والسياسات الجديدة.
تطرقنا في الحركة الشعبية لقضية الكنابي في مناسبات عديدة ومختلفة، وفي الفترة من عام 2005 إلى 2011 عملنا مع الناشطين في هذه القضية والعديدين منهم اعضاء في الحركة الشعبية، و في عام 2017 تطرقت لهذه القضايا في ورقة قدمتها في منبر لمناقشة قضايا مشروع الجزيرة التي ظلت تتصدر اهتمامات الصديق الأستاذ صديق عبد الهادي. قضية سكان الكنابي متعلقة بقضايا العمال الزراعيين وخطل علاقات الإنتاج في المشاريع الزراعية والتمييز الإقتصادي والإجتماعي الذي مارسته الحكومات المتعاقبة مما أدى في نهاية المطاف لتدمير كافة المشاريع الزراعية وعلى رأسها مشروع الجزيزة الذي حمل السودان فوق أكتافه سنين عددا. هذه القضية فطن لها بذهن نابه ومتقد الثوري الراحل يوسف عبد المجيد في الستينيات قبل أي شخص أخر في كتيبه الموسوم (أجراء الريف) والذي دعا فيه إلى الأنحياز إلى أجراء الريف وفقراء المزارعين في عمل المنظمات الديمقراطية، ويوسف عبد المجيد من بناة حركة المزراعين في النيل الأزرق العريض.
تطورت هذه القضية بفعل سياسات نظام الإنقاذ وإنهيار البنية التحتية والإنتاجية في الريف، وتناولها رأس النظام في أحاديثه الخاصة والعامة بشكل مقزز، وهي قضية بحاجة إلى إعادة النظر في السياسات الإقتصادية والإجتماعية وعلاقات الإنتاج في المشاريع الزراعية والإندماج والسلام والإجتماعي القائم على حق المواطنة والحقوق الإقتصادية والإجتماعية في حزام عريض يمتد في مناطق زراعية واسعة، وهذه القضية يجب أن لا تستخدم لإثارة التناقضات الإثنية والجهوية وتحميل مجتمعات المشاريع الزراعية كلفة السياسات الخاطئة للدولة أو أستخدامها في الصراع الحزبي ومحاولات التعبئة والتجنيد والإنتخابات مبكرة أو في مواعيدها بل يجب حلها على أسس صحيحة بإنصاف سكان الكنابي وإزالة الغبن الذي لحق بهم بتبني الدولة سياسات جديدة وتغيير وجه الريف إلى وجه منتج والإنحياز إلى فقراء المزارعين والعمال الزراعيين وتعديل علاقات الإنتاج لمصلحتهم. إن الحياة تبتسم ليوسف عبد المجيد وتعيد القضايا التي أثارها منذ ما يقارب نصف قرن بشاكلة جديدة ووقائع أجد. نعم للإنصاف وتوحيد المجتمعات الريفية الزراعية بسياسات جديدة تؤسس للمصالحة والسلام الإجتماعي والإبتعاد عن تبديل الضحايا بضحايا أخرين.
*مسارات التفاوض والتمثيل الحقيقي لأصحاب القضايا*
نجحت الجبهة الثورية في إعادة قضايا كثيرة ومنسية إلى واجهة الأحداث والحياة وبل إلى طاولة التفاوض، ولكي يكتمل المعروف ويتحقق الإنصاف هذا يحتاج إلى عمل واسع يتخطي مرحلة الإعتراف إلى تمثيل حقيقي إلى أصحاب هذه القضايا وأن يتولوا أمرهم بأنفسهم وأن يمثلوا في طاولة التفاوض بالأصالة لا بالوكالة، وأن تحل هذه القضايا بإنصاف المتضررين وبسياسات جديدة بعيدا عن إقتسام كيكة السلطة لمصلحة النخب. إثارة هذه القضايا يستحق الترحيب والمؤازرة وأن يتولى أصحابها الحوار والتفاوض حولها ويحتاج ذلك لتنسيق وجهد جماعي ومشترك وبناء شراكة بين الحاكمين والمحكومين.
*العلمانية وتقرير المصير والسلام ورؤية السودان الجديد*
قرات تصريحا غير مسبوق، طوال أكثر من ثلاثة عقود شاركت فيها في محادثات السلام، وقد صرح أحد الناطقين الرسميين بتصريح مفاده بإن إثارة قضية تقرير المصير ماهي إلا موقف تفاوضي، إذا ترجمنا هذا التصريح إلى لغة الحياة العادية فإنه مثل من ياخذ (بقرة) لبيعها في السوق ويقول للراغبين في الشراء بأننا أطالب بمائة جنية ثمنا لها ولكني أقبل بخمسين جنيها! فمن الذي يشتري منه بمائة جنية في مثل هذه الحالة؟!! كيف لمفاوض أن يكشف حده الأدني في التفاوض؟ الأهم من ذلك أن إستخدام القضايا الإستراتيجية دون إلتزام مبدئي وأخلاقي مكلف سياسيا لاسيما فان الوقت وقت تغيير وثورة. قلنا دوما بان حق تقرير حق ديمقراطي غير معزول عن الوقائع السياسية والجغرافية والرؤية الفكرية، وطرحه في المنطقتين محفوف بتعقيدات عديدة يمكن تعداد بعضها:
1. طرحها على أساس أثني يمايز بين السكان المحليين على أساس ومعايير غير حق المواطنة يهزم الحق نفسه ويؤدي إلى حروب اثنية وإطالة أمد الحرب بينما الغرض من حق تقرير المصير هو الوصول إلى سلام دائم والخروج من دائرة الحرب اللعينة.
2. المنطقتان على عكس الجنوب بهما قبائل عربية وغير عربية لا تطالب بحق تقرير المصير مما يجعل هذه الحالة أكثر تعقيدا من جنوب السودان.
3. حدود الجنوب الجغرافية معلومة منذ 1956 وقضيته حاضرة في الأجندة الإقليمية والدولية بابعاد معروفة ومؤاتية لحق تقرير المصير.
4. طرح حق تقرير المصير على هذه الشاكلة ينسف اي أساس لبناء حركة في كل السودان ويجعل من أعضاء الحركة خارج المنطقتين يخوضون معركة في غير معترك، ويجعل من رؤية السودان الجديد نفسها آلية لتقسيم السودان أكثر منها رؤية لتغيير السودان وبناء سودان جديد.
5. المجموعات المعنية بهذا الحق نفسها لن تتخذ موقفا موحدا، فقوميات مهمة مثل النوبة لعبت دورا تاريخيا في توحيد السودان يوجد معظمهم خارج الحدود الجغرافية لجبال النوبة.
6. في النيل الازرق أصبح السكان الذين يتم المطالبة بحق تقرير المصير بإسمهم أقل عددا من المجموعات الأخرى التي ستصوت في أي استفتاء حول هذه الحق، لا توجد حدود جغرافية بين المنطقتين مما يؤدي إلى تقسيم الحركة الشعبية نفسها فوق تقسيمها الحالي، فمن تخدم هذه الإستراتيجية؟
7. الوضع الإقليمي والدولي الحالي لاسيما في بلدان الجوار المباشرة لا تؤيد مثل هذه المطالب، وتصريح نائب رئيس دولة الجنوب كان داويا ومباشرا.
8. هذا المطلب يعزل مطالب المنطقتين من قوى عريضة في المجتمع السوداني ويحرمها من تعاطف القوى الوطنية والديمقراطية ذات العلاقات الوثيقة مع الحركة الشعبية.
9. حق تقرير الإثني يناقض رؤية السودان الجديد والدعوة لوحدة افريقيا المشبعة بجغرافية الإثنيات المتنوعة ويعمل على تفتيت افريقيا لمصلحة الإستعمار الجديد، وذكرت ذلك تفصيلا في ورقة حول تجديد الحركة الشعبية بعنون (نحو ميلاد ثان لرؤية السودان الجديد.. قضايا التحرر الوطني في عالم اليوم) الصادرة في عام 2017.
10. الذين طرحوا هذا الحق استبعدوا من وفدهم قطاعات هامة وقيادات قادت الحرب وأتوا بافراد من خارج المنطقتين وطرحوا قضايا خارج المنطقتين مما يلقي بظلال حول جدية هذا الطرح.
11. إن الحركة الشعبية اليوم بحاجة إلى رد الإعتبار لرؤية السودان الجديد لاسيما وإن ثورة ديسمبر السودانية قد أعادت طرح هذه الرؤية، وطالبت ببناء السودان الجديد. إن الحركة الشعبية يجب أن تعمل على توحيد نفسها وتوحيد السودان، والحركة الشعبية لن تتمكن من جذب السودانيات والسودانيين إلى صفوفها وخلق علاقات إستراتيجية مع القوى الإجتماعية الجديدة إلا بالرجوع إلى منصة التكوين والدعوى لوحدة السودان على أسس جديدة.
أما فيما يخص علمانية الدولة، فهي طرح صحيح في توقيت خاطئ، والحركة الشعبية حركة علمانية وكذلك رؤية السودان الجديد، ولكن العلمانية ليست شرطا لانهاء الحرب ولن تكون شرطا لعودة النازحين واللاجئين بالضرورة ولا يمكن أن ياخذ سكان المنطقتين على عاتقهم دفع فاتورة ثمن علمانية السودان لوحدهم بمعزل عن الحركة السياسية السودانية. السلام نفسه (مدماك) مهم على طريق مدنية وعلمانية الدولة. يجب طرح هذه القضية كما طرحناها في أديس أبابا في الفترة من 2011 إلى 2016 في 18 جولة للتفاوض على اساس إعطاء حق التشريع كاملا غير منقوصا لسكان المنطقتين، هذا هو الأوفق والأجدى، والقضايا الإستراتيجية لا تطرح على سبيل المناورة، وحينما طرح الجنوب في إعلان مبادئ حق تقرير المصير مقابل الشريعة فإن الجنوب كان يعني ما يقول بتركيبته وتاريخه المعروف ولم يكن ذلك على سبيل المناورة. إن هذا الطرح إن كان إستراتيجيا سيطيل أمد الحرب في المنطقتين ويفوت فرصة نادرة للتسوية هذه الأيام يستحقها سكان المنطقتين عن جدارة وتضحية وهم أصحاب قضية عادلة، وقضيتهم ليست نسخة تقبل التعامل على طريقة أنسخ والصق، فتجربة الجنوب غير قابلة للنسخ واللصق.
إثارة العلمانية دون تدبر وفي هذا الوقت مدعاة لتوحيد الإسلاميين وصعود التيارات المتطرفة في أوساطهم على حساب التيار الإسلامي المعتدل، وعلينا على الدوام التعامل بمبدئية مع التيار الإسلامي المعتدل والراغب في التغيير والعمل على عزل التيارات المتطرفة التي تعمل على دفع السودان للإنهيار وتتخذ من قضية العلمانية شعارا للتعبئة وهي تيارات لا يحرك ضميرها إنصاف الفقراء ولا تتورع من إفساد الدين والدنيا وقد اضرت بالإسلام والسودان قبل أن تضر بغيرهما.
*المسيحيون ومفاوضات السلام*
بعد الثورة تراجع الإهتمام بقضايا المسحيين السودانيين وبحاجة إلى طرح سياسات واضحة لإنصافهم فهم من أكثر الفئات التي عانت من فاشية النظام السابق حتي إن النادي الكاثوليكي نفسه أصبح مقرا للمؤتمر الوطني، وتمثيلهم في مجلس السيادة خطوة ولكن قضيتهم يجب وضعها في نصابها كاحد قضايا المواطنة بلا تمييز لاسيما ونحن نتحدث عن بناء دولة مدنية.
*(ملايقة شراكة منتجة للخروج إلى وطن منتج)*
يظل دعم الحكومة الجالية والحفاظ على علاقة شراكة بين مكوناتها أمر فى غاية الأهمية فالوضع الحالي معقد ومتجاذب الأطراف والخطر على الجميع هو من دولة التمكين التي لا يمكن أن تقبل الفطام وتترك الرضاعة وعلى قوى الثورة والتغيير، وهي قوى متبانية وذات خلفيات وأهداف نهائية غير متطابقة، وتضم القوات النظامية (الجيش والدعم السريع) وحركات الكفاح المدني (الحرية والتغيير) والمسلح، وهي بحاجة إلى (ملايقة) شراكة لا تستبعد اي طرف من الأطراف لمنع عودة النظام القديم وإستبعاد اي طرف من أطراف المعادلة تؤدي إلى خلل في كافة المعادلة، وهذا بحاجة إلى جهد جبار على أساس برنامج الحرية والسلام والطعام والمواطنة بلا تمييز، وبحاجة ايضا إلى نسج علاقات متوازنة بين أطراف المعادلة.
*لبنان الجديد ومحددات الطائفية والدين*
رسم الشباب اللبناني لوحة إنسانية باهرة على درب بناء لبنان جديد يخرج من محددات الطائفية والتقسيمات الدينية نحو بناء وطن لجميع اللبنانيين وهي مهمة من مهام البناء الوطني تواجه شعوب كثيرة و بلدانا متقدمة إقتصاديا. وقد تحدى اللبنانيون، وما اجملهم، الدولة بشقيها الرسمي ودولة القطاع الخاص والتي هي دولة داخل دولة، وخرجوا في الجنوب وفي الشمال وفي بيروت بصوت موحد بمطالبين بدولة المواطنة التي توفر الأمن والطعام والحريات للجميع، وهتفوا جميعا بصوت يشبه صوت فيروز وهم خارجون من ضيق احذية الطوائف إلى رحابة وطن يسع الجميع، وهذه قضية سوف تواجه تحديات داخلية وخارجية من خاسرين كثر. إن (اللبنانوية) الجديدة أتت إضافة نوعية لفكر الحركات الجماهيرية السلمية المدنية التي ترسم افاقا جديدة في الجزائر والعراق والسودان. إن بلادنا مهمة مثل العراق لهي أكبر من أن تحطمها الطائفية وهي بلدان ذات تاريخ وطني ضارب الجذور ولن يغسل ما علق بها من تشوهات إلا هذا النهوض الجماهيري الجديد فليعود لبنان والعراق إلى اهله الحقيقين بعد سنوات طويلة من الغربة والغياب وسحق الأحلام الوطنية من قبل القوى الداخلية والخارجية. المجد للشباب اللبناني الذي اجترح طريقا جديدا وممكنا، ونحن السودانيون نرفع القبعات لشباب وصبايا لبنان رغم التعقيدات التي تواجههم، إن طريقهم سينهي كراهية الطوائف حينما يتم بناء لبنان جديد فالكراهية غير موجودة في الفردوس، وما أجمل الإنسان حينما يكسر التابوهات الموغلة في القدم. إن الذي يمضي في هذا الطريق سيصل وسيكون يوما ما يريد.