كونوا أوفياء
كانت تتردد كلمة الوفاء علي أذني منذ طفولتي ،لكني لم أكن أعي معناها مثلي مثل أي طفل في عمري إلا بعد وفاة جدي رحمه الله
حيث رأيت مدي حزن والدتي عليه فقد أرتدت اللون الأسود تقديسا لذكراه لعدة سنوات بإلاضافة إلي أنها كانت تدعي
له بالرحمة و تتصدق بالأموال علي روحه الطاهرة فكان في خاطرها منذ وفاته ومازال حتي إلان كذلك لذا أدركت معني الوفاء والعرفان بالجميل..
كثيرا ما نفتقد الوفاء في مجتمعنا فقد أصبح للإسف عملة نادرة الحصول عليها في زمن ساد فيه حب الغرائز والأهواء
والمصالح الشخصية علي حساب الغير فنجد في الكثير من الأحيان رد المعروف بالإساءة ونكران الجميل فحقا أنها كارثة أخلاقية
كبري تتفشي في المجتمعات العربية التي من المفترص أن تكون قدوي لغيرها من الأمم فكثيرا نجد الأبن لا يفي لوالديه
بعد تضحيتهم من أجله ،والزوجة لا تفي لزوجها أو العكس ،والصديق لا يفي لصديقة ،والأخ لا يفي لأخيه .
بالطبع كلنا نعرف أن الكلب من الحيوانات الوفية التي تحب صاحبها جدا وتخلص له فقد يصل الأمر إلي أن يربي بعض
الأشخاص كلب طمعا في الحصول منه علي الوفاء الذين يفتقدونه في ذويهم وأصحابهم، فقد روت صحيفة بوسطن
الاميريكية إنه منذ عدة سنوات عثرت فتاة تدعي لورا وعائلتها علي كلب في طريق السريع بتكساس وكان يعاني من كسر
في كاحل أحد أقدامه،وأصرت لورة علي إصتحاب الكلب وعلاجه وإنقاذه من الموت وقدمت تلك الأسرة للكلب الدعم الطبي
مما جعله يتعافي من وعكته،وبعد مرور عدة سنوات حدث خلاف بين الأسرة وبين أحدي الفتيات وحاولت تلك الفتاة إطلاق نار
علي تلك الأسرة إلا أن الكلب تصدي لها مما أربكها اثناء إطلاقها للنار عليهم فمات الكلب وأصيب أفراد الأسرة بجروح
لكنهم بقوا علي قيد الحياة ،وذلك خير نموذج للوفاء والعرفان بالجميل فالكلب رد الجميل الي أصحابه وإنقذهم
مثلما إنقذوه بل و فعل أكثر منهم، لكن من المؤسف أن يتحلي الكلب بالقيم والوفاء
وأن لا يفي البشر الذين حباهم الله بالعقل والحكمة الي بعضهم البعض.
الوفاء شيء ضروري فكما قال الله سبحانه وتعالي (فما جزاءالإحسان
إلا الإحسان ) ورسولنا الكريم( محمد صلي الله عليه وسلم)
كان خير رمز للوفاء فكان يكرم صديقات زوجته خديجة( رضي الله عنها )بعد موتها تكريما لذكراها كما أنه حزن
علي موتها حزنا كبيرا وكان يذكرها دائما وفاء لما قدمت له من حب وعطاء فقد تزوجته وهو فقيرا كما أنها سانتدة
وكانت أول من تؤمن منه من النساء وعاونته في نشر الدعوة الإسلامية.
الوفاء هو أن تعطي بدون أن تنتظر مقابل العطاء ،وأن تعترف بجميل الناس
عليك وإن ترده اذا إستطعت ، وأن لا تنكر المعروف
، وأن تفي بالوعود والعهود ،وأن تتذكر من قدموا لك الخير ومن تحب دائما حتي وإن لم يكونوا علي قيد الحياة
،فليس الوفاء مقتصر بين الأبن ووالديه وبين الزوج وزوجته بل هو يجب أن يكون بين كل الناس وهو أيضا للأوطان
فقال أمير الشعراء أحمد شوقي عن مصر وفاء لها في غربته :
وسلا مصر: هل سلا القلب عنه
أو أسا جرحة الزمان المؤسي
كلما مرت الليالي عليه رق
والعهد في الليالي تقسي
وذلك يدل علي وفاء الشاعر لوطنه بالرغم من غربته عنه كما أنه يوضح
أنه يزداد حنينا له كلما مرت الليالي بالرغم من أن الغربة تجعل قلب الإنسان أقسي.
لذا علموا أولادكم الوفاء منذ صغرهم وحدثوهم عنه لأن بدونه تتحول الدنيا الي غابة تسودها الأنانية والخيانة والكراهية ،
فالأمم المتقدمة هي التي يتحلي شعبها بالوفاء والمحبة والإخلاص …