أمرأة بألف رجل
لا يستطيع أحد أن ينكر فضل الأم فالأم نعمة وهبها الله سبحانه
وتعالي للإبناء فهي التي تربيهم وتهذبهم وتسهر علي راحتهم
كما أنها مصدر الدفيء والحنان بالنسبة لهم ،وللأب أيضا دور كبير في هذا المجال فهو الذي ينفق علي الأسرة ويعولها
وهو الذي يشرف علي تربية الأبناء لكن في بعض الحالات تقوم الأم بكل تلك الأدوار فتصبح الأم والأب معا وذلك سواء
كانت الأم أرملة أو منفصلة عن زوجها ولم تتزوج مرة أخري، و في تلك الحالة تكون الأم أشبه بالجندي الذي يحارب جيش
بمفردة في المعركة، ومن تلك النماذج والدتي تلك الشابة التي
إنفصلت عن زوجها في عز شبابها حيث أنها رفضت كل
عروض الزواج كي تربيني وتتفرغ لي لدرجة إنها تركت عملها وانا أبلغ من العمر سنتين كي يصبح عملها هو الإشراف علي
مستقبلي ودراستي التي أهتمت بها كثيرآ فالحقتني بمدرسة خاصة قريبة
من منزلنا وكانت تأخذني إليها دائما وفي نهاية اليوم
عند خروجي أجدها تنتظرني وكأنها لم تتحرك من مكانها منذ الصباح حتي نذهب للمنزل ونتناول وجبة الغداء بصحبة
جدي وجدتي فكنا نعيش سويا وبعد الإنتهاء من الغداء كانت تقوم بدور المعلمة حيث تذاكر لي دروسي وتساعدني في
حل الواجب المدرسي وكان ذلك يتكرر كل يوم ، وفي أجازة نصف وأخر العام كنا نخرج للتنزه سويا وكانت تشاركني لعبي
ولهوي في المنزل فلم أشعر مرة بفقدان الأب الذي لم أراه طوال حياتي
، فكانت أمي خير مثال للأم وللأب وكان جدي رحمة الله
منبع الحنان لي ولها فكانت تستمد منه القوة والعون لتربيني وتدللني حتي مرت الأيام وتوفي جدي فأسودت الحياة
في وجة أمي كثيرا و حزنت عليه حزنا لم أتخيل أن تحزنة سيدة علي والدها قبل أو بعد ذلك قط ، ومع ذلك أستمرت
تلك السيدة في العطاء بمفردها فكانت كالجندي المقاتل تحنو مرة وتقسو مرة أخري لتربيني وتعلمني، وللإسف كنت
لا أدرك حينها لماذا تعنفني كثيرا وتحذرني من الأخطاء فكنت صبي ساذج ،وذلك نتيجة للعزلة التي كنت فيها فالشارع كان محرما
لي لأنها كانت تخاف أن تتغير فيه أخلاقي وميولي نتيجة الإختلاط
بمختلف الصبية والأشخاص فيه حتي دخلت المرحلة الثانوية
وتغيرت كثيرا عن ما كنت عليه فأختلطت بكثير من الناس
والأصدقاء وأصبحت منعزل عنها كثيرا ومع ذلك كانت تقدم لي النصيحة
والعون وعندما تجد مشكلة في طريقي تقوم بحلها علي الفور حتي ظهرت نتيجة الثانوية العامة و لم تأتي لي أي كلية أفضلها
في التنسيق مما دفعها الي أن تبحث عن جامعة خاصة لتلحقني بها وبالفعل الحقتني بجامعة السادس من أكتوبر ولم يقتصر
الأمر علي ذلك بل أشتركت لي في أتوبيس الجامعة حتي
لا يرهقني أمر الذهاب للجامعة كل يوم وذلك من مالها الخاص
فالوالد لم ينفق شيء وذلك منذ مولدي والي يومنا هذا ،وأستمر
الوضع حتي تخرجت من كلية الإعلام وفنون الإتصال بتقدير إمتياز
،ومع ذلك مازال عطائها معي مستمر فعندما هممت الي أن اتقدم لزميلتي
لخطبتها لم ترفض الأمر بل ساندتني وذهبت معي .
الرحلة لم تكن قصيرة عليها فكانت طويلة جدا وشاقة وذلك بمفردها فمن الصعب أن تقوم الأم بدور الذي تخلي عنة الأب
! فكثيرا كنت أريد إن أطلب منها أن تعلمني جزء من شهامتها ورجولتها حتي أتحمل
صعوبة الحياة وأعبر بعد ذلك بأولادي الي بر الأمان فحقا كانت ومازالت بألف رجل .
لذلك علموا فيتاتكم القوة وتحمل المسئولية ووضحوا لهم بأنهم كالرجال وليسوا أضعف منهم بل في بعض المواقف يستطيعوا
أن يكونوا أقوي وأكثر صلابة منهم فربما يكون من تلك الفتيات وزيرة أو مديرة وربما يكون منهم أم وأب معا…