و للحرية تصورات أخري
هي عند الكثيرين الحق في التعبير عن آراء الإنسان دونما قيود. فحرية الكلمة فضلا عن حرية العقيدة هي تجسيد لمفهوم الحرية.
وقدرة الإنسان و حريته في أن يختار وعدم تزييف إرادته و سماع الآخرين لأرائه ولو اختلفوا معه هي مظاهر تكشف
عن المضمون الحقيقي لمفهوم الحرية.
و هناك تصور آخر يذهب الي أن الحرية هي (أن أري الكون بعيوني
لا بعيون الآخرين) وهذا التصور بمثابة تكريما لفكر الإنسان و إعتراف بحقه في أن يقول رأيه و يعبر عن فكره ويعلن إستقلال هويته و تميز ذاتيته.
ثمة مؤشرات أخري تؤكد علي إحترام فكر الإنسان وحقه في الإختلاف و حقه في التعبير عن آرائه كمضامين
أساسية للحرية ولكن من الزاوية السياسية. فإلي جانب عدم تزييف الإرادة و سماع الرأي الآخر هناك أيضا حرية
تكوين الأحزاب و إصدار الصحف و نقد الحاكم وأن يقوم الشعب بإختيار حكامه.
و الحرية بمؤشراتها السياسية المختلفة لا تتناقض إطلاقا مع الحرية الفكرية لأن كليهما مرتبط بالآخر. فلا حرية فكرية
بلا حرية سياسية وهما في الأساس وجهان لعملة واحدة يفصح كل منهما عن مدي إحترام إرادة الإنسان وهويته و إنسانيته.
و هناك إتجاه آخر يتعامل مع مفهوم الحرية من زاوية خاصة هي الزاوية المادية (الاقتصادية) و أصحابها ينادون
بالعيش في أمان وان يجدوا كفايتهم بتأمين يومهم و غدهم. و رغم إيماننا بالبعد الإقتصادي للحرية إلا أنه لا يستقيم
دون الأمان الفكري و السياسي فقد نري في كثير من الأحيان وفي ظل بعض الأنظمة الشمولية أن إتجاه السلطة
نحو تأمين الحياه الاقتصادية لأفراد المجتمع يكون علي حساب الحرية السياسية و الفكرية لأن تلك الأنظمة
تري أن مطالب الإنسان (أي إنسان) لا تخرج عن كونها مطالب
مادية إقتصادية في المقام الأول وأن محاصرة أي محاولة
للتمرد أو المعارضة من قبل أي فئه من فئات المجتمع لا تتم إلا من خلال تحقيق قدر من الإشباعات المادية و الاقتصادية!.
وهناك تصورات أخري لمفهوم الحرية إذ يري البعض أنها الممارسة
المقننه للفعل الإنساني وهذا التصور رغم ميله إلي التجريد
و العمومية إلا أنه يؤكد على أن الحرية ممارسة مقننه. و هذا حقيقي الي حد كبير
ولكن السؤال هنا هو:ماهي طبيعة تلك القوانين؟ و في ظل أي مناخ سياسي وثقافي تطبق؟!.
أما التصور الثاني و الذي يميل كثيرا نحو العمومية و التجريد فهو ذاك التصور الذي يري أن الحرية هي الدفاع عن
حقوق الإنسان. و برغم أن هذا التصور يجسد مضمون الحرية وتقديس
إرادة الإنسان و هويته إلا أنه يقصر معني الحرية
فقط علي مجرد الدفاع عن حقوق الإنسان دون تحديد لكيفية ممارسة
هذة الحقوق وأشكال هذة الممارسة وهذا في حد ذاته إنتقاص من هذا التصور.
و يميل التصور الثالث الي تعريف الحرية بأنها تطبيق القرآن الكريم و
السؤال هنا :هل المراد هو أن تطبيق أحكام الإسلام
من خلال القرآن الكريم يقود إلي تحقيق الحرية؟ أم أن المراد هو أن المجتمع من خلال الفرد يكون حرا عندما يقدر له أن
يختار القرآن الكريم كدستور له؟ أم أن المراد شئ آخر خلاف هذا وذاك؟.
أما التصور الأخير فيري أن مفهوم الحرية مفهوم نسبي مثلها مثل كافة الظواهر السياسية و الاجتماعية و الثقافية
لخضوع تلك الظواهر الي بعدي الزمان و المكان. إلا أن مفهوم الحرية قد يشذ عن تلك القاعدة. إذ أن الحرية بمظاهرها
المختلفة هي جوهر حقوق الإنسان و لا أعتقد أن هذة الحقوق حين شرعت كانت تعني مجتمعا دون الآخر أو أمة دون أخري.
وإنما القضية هنا هي ممارسة الحرية كحق و النظر إليها يرتبط بطبيعة السياق السياسي و الاجتماعي للمجتمع.
و يخضع بطبيعة الحال لطبيعة أنظمة الحكم. فمن المؤكد أن النظام الديموقراطي له رؤية للحرية تتناقض حتما مع
رؤية النظام الشمولي لها. ومن ثم تنعكس هاتان الرؤيتان
علي ممارسة هذين النظامين للحرية من حيث إطلاقها أو تنظيمها أو تقييدها……