المعماري الطيب و السياسي الشرير
إذا كان المعماري يبني بيوتا فالسياسي هو من يبني مؤسسات الوطن..و العلاقة بينهما كالعلاقة بين النظرية و التطبيق..
فمن الصعب أن نضع المعماري سجينا بين الطيبة و الشر لأن مهنة العمارة يختلط فيها الفن بالعلم و الخيال بالواقع.
و المعماري المتميز هو من يملك موهبة فطرية يدعمها بالملاحظة والمشاهدة و الإستقراء. فليس كل ما يراه صحيحا
وليس كل ما يراه الأفضل كما أن ليس كل جميل مناسب وليس كل مناسب جميلاً… في العمارة ليس هناك ابيض
و أسود. بل ملايين من الدرجات الرمادية وحسب ما ينظر يصبح مخطئا أو يصبح مصيبا.
و الغريب أن معظم رواد فن العمارة و من وضع الأسس التي تدرس الآن في المدارس المعمارية لم يكونوا معماريين
في الأساس فالعمارة هبة و تراكم خبرات معا قبل أن تكون دراسة
إن أهم ما يثري الشخصية المعمارية هي القدرة علي الملاحظة و الإستقراء ولكي يكون المعماري متميزا فيهما وجب
عليه أن يكون صادق النفس فعلم الإستقراء من علوم المنطق و الإستدلال و المنطق يجب أن يلازم الصدق في التحليل
و الإستدلال كذلك وجب علي السياسي أن يتمتع بتلك الصفتان وصقلهما بالممارسة.
وهناك بعدا آخر و هو موهبة استقراء الجمال و إعادة إنتاجه وتلك في حد ذاتها موهبة نادرة تفرق بين المعماري الجيد و المعماري العادي.
و المعماري يعتمد في منتجه علي شقين أساسيين :الأول تشكيل فراغات متعددة الاستخدامات و الحجوم
و الآخر العلاقات بين تلك الفراغات. و العمارة لها عدة عوامل تفرق بين المعماري و الآخر لذا فلن نجد معماري طيبا خالصا
ولن نجد معماريا شريرا خالصا لأن العمل المعماري هو خلاصة خبرات متنوعة أدت إلي قرارات محددة نشأ منها هذا المبني
و ولد للحياة ولكي نقيم المعماري (السياسي) يجب علينا تقييم خبراته و قراراته وهل نجح فيما أراد وهل كان يقصد
ما أراد أم كان العمل بالنسبه له مجرد نزوة فنيه أو كارثة سياسية ؟!.
و المعماري الطيب وجب عليه أن يتسم بسعة الإطلاع حتي يتسني له أن يواكب تطورات المعمار عالميا وداخليا للوقوف
علي اسباب النجاح و التميز وأسباب الفشل و التدهور و الأمر كذلك بالنسبة للسياسي الذي وجب عليه أن يتابع و
يواكب الأحداث السياسية الجارية وان تكون مصادره متنوعة حتي يطلع علي وجهات النظر المختلفة حول قضية أو
حدث ما وان يثقف نفسه تاريخيا بقراءة القديم و معرفة الثورات و الحروب و الربط بين الأحداث التاريخية
حتي تكون لديه الخبرة الكافية عند اتخاذ القرار و بدون ذلك يصبح السياسي
جاهلا بما يدور حوله. وهو هنا يستحق لقب السياسي الشرير الأحمق الذي لم يضر أحدا أكثر من ضرره لنفسه!!
و المعماري الطيب هو الذي يدرس المعمار و يتعمق في دراسته فحين يري أمرا يعجبه يدرس سبب إعجابه به و يحلله
ليصل إلي الأصل و بالتوازي يدرس متطلبات المكان و متطلبات مستخدمي المكان و يصهر كل ذلك في بوتقه واحدة
ينتج عنها عمل شديد الخصوصية و التميز. هنا نحن أمام معماري احسن عمله و بقي له شيئا واحدا لا يد له فيه وهو
موهبة الصقل الفنية فقد يكون المبني مدروسا دراسة جيدة ولكنه عادي الجمال كشخص تتعامل معه ليس بالجميل
الطله ولكنه حلو المعشر و سهل التعامل. وهنا يمكن قولا أن المعماري نجح في عمله و هو هنا (طيب)
وفي الحقيقة
لن نجد معماريا طيبا خالصا تكون غالبية أعماله طيبه فكلنا نخطئ وكلنا نصيب كما أننا لن نجد معماريا شريراً خالصا
يحرص علي المنطق نفسه و يتفوق علي المعماري المبدع و هم النادرون في هذا العالم وفي التاريخ فأعمالهم
تضعك أمام معضلة و هي انك لن تجد له تفصيله سيئه لأنه يهتم بكل تفاصيل عمله و يحرص علي الإتقان كل ذلك في
صياغة فنية لا يختلف عليها إثنان و هنا نجد أنفسنا أمام رائد من رواد العمارة وذات المعني ينطبق علي رواد السياسة
الذين أقاموا دولا بعد عثرتها وقضوا علي مثلث التخلف (الجهل – المرض – الفقر) وقفزوا بالاقتصاد الي معدلات
مرتفعة النمو بعدالة اجتماعية و كرامة إنسانية
وخلاصة القول أن هناك معماري محترف يحقق الهدف الأسمي
من المبني ويحاول أن يجد حلول لمستخدميه يكونون من بعده فخورين بالمعيشة في المبني ويجعلهم في راحة و إحساس
بجمال يتعايش مع حياتهم فلا يشعرون بحرارة الجو ولا يحتاجون تكييفا لجعل حياتهم مستساغه. كما يجدون
في مادة البناء ما يجعلها تعيش السنين بصيانة غير مكلفة.. كل ذلك في غلاف جميل الفراغات المدروسة و التفاصيل المبدعة.
وهناك آخر يجعله مكانا غير قابل للمعيشة وجل إهتمامه أن يحصل علي المال بغض النظر عن أنه أجاد ام لا.!!
و علي ذلك فالمعماري الطيب هو من يبذل قصاري جهده في إختزال العلوم و الفنون لإسعاد الناس وراحتهم
حسب إمكانياتهم وفي المقابل فالسياسي الشرير هو من استشري في الفساد الفكري
و الإداري فأصبح يبيع ضميره السياسي من أجل حفنة نقود تشعره بالإمتلاء لا بالشيع!!.
وهنا وجب علي السياسي أن يكتسب ثقة كل من حوله و يعمل علي تحسين أوضاعهم وحل الأزمات السيئة التي يعيشونها
وان يوفق بين التوجهات الإنسانية المختلفة و بين التفاعلات التي يحدثها أفراد المجتمع فيما بينهم و ذلك بتغيير الأحداث
السيئة الي أحداث جيدة ولن يتحقق ذلك إلا بقربه من نبض الجماهير وترجمة تطلعاتهم الي واقع ملموس حتي تتغير
الصورة التي علقت بالأذهان بأن السياسة لعبة قذرة الي فن الممكن.و قد يتحقق ذلك عندما يتقمص السياسي سمات المعماري الطيب.