بقلم: د. عبدالله السعدنى
باحث بكلية الدراسات الشرقية – جامعة سان بطرسبورج الحكومية
ادوين ويلسون عميل المخابرات الامريكية الذى باع الموت لليبيا.. ولكل من يدفع الثمن.
اختلفت الرواية من حوله وتضاربت الآراء مثل كل قضية خطيرة تتعلق بمدى علم صانعى القرار بالمخالفات
والانتهاكات. ومدى انغماس المسؤلين فى هذه المغامرات، والمبررات التى من اجلها يقرر المسئولون الانسلاخ عن المؤامرة والكشف عنها.
وما أسجله هنا من معلومات هى جزء من “الحبكة” واستكمال لعملية تصفية حسابات وإعادة تنظيم أوراق وهى لعبة مل جهاز مخابرات وضرب جماعة لصالح جماعة اخرى.
بداية القصة..
وكيل نيابة فى واشنطن، وهو شاب فى الثلاثين من عمره يدعى “لورانس بارسيلا” خاض معركة أمام كبار المسئولين
فى الدولة لكى يتوصل الى استصدار قرار من النائب العام بالقبض على “ادوين ويلسون” الذى استدرجه عميل آخر
من عملاء اجهزة الامن من طرابلس الى جمهورية الدومنيكان فى امريكا اللاتينية بدعوى انه سوف يتيح له فرصة
التعاقد على شراء قطعة ارض شاسعة لصالح المخابرات بثمن زهيد جدا وفعلا طار ويلسون ليجد رجال الامن
فى انتظاره، ويتم إلقاء القبض عليه وتجرى محاكمته ويعلن القضاء سجنه مدى الحياة، وكان المليونير الغامض
يطمع بعد ان جمع ثروة لا يمكن حصرها ولا تقل عن عشرات الملايين من الدولارات وقد تصل الى مئات الملايين
ان يكون رئيسا لجهاز المخابرات وبعد ان تربع على عرش هذا الجهاز سنوات ولكنه لم ينجح فى ان يختاره رئيس الجمهورية
لكى يتولى إدارة المخابرات وان كان قد سيطر على هذا الجهاز سنوات طويلة بحكم صلاته وتأثيره ونفوذه ، وكان يدفع الرشاوى ويختار مساعدية من كبار
المسئولين فى المخابرات ويضعهم على قائمة الموظفين الذين يعملون لحسابه برواتب شهرية باهظة.
تبدأ قصة بيع المتفجرات بتعليق يقول ان تصنيع او انتاج قنبلة هو حرفة أمريكية مثل اشتهار امريكا بصنع “فطيرة التفاح”.
واستطاع خبراء المفرقعات وصانعوا قنابل الموت ان ينتجوا قنبلة لها قوة مدمرة تنتشر اجزاؤها انتشارا افقيا
ولا تزيد على حجم القلم الرصاص وجهاز تفجيرها يكاد يكون مثل عقلة الإصبع الصغير ويتم صناعة هذه القنبلة
من شرائح البلاستيك ولا تزيد فى سمكها على علبة السجائر العادية او مفكرة الجيب ويمكن وضع مثل هذه المتفجرات
تحت مقاعد الطائرة ويتحكم فيها جهاز تفجير موقوت ويمكن الاحتفاظ بهذا الجسم المتفجر لساعات طويلة وربما لعدة ايّام الى ان يتم تفجيره بجهاز التفجير الالكترونى .
وقد بدا انتاج هذا النوع من المتفجرات C.4 فى ولايات “لويزيانا ونيويورك وتكساس”، وباع تاجر هذه المتفجرات
٢١ طنا منها للعقيد القذافى واسم هذا التاجر هو “جيروم بروور”وباع خبراء المخابرات الامريكية “للقذافى
” 500 الف جهاز تفجير وقام عسكريون أمريكيون كانوا فى اجازة من الجيش بتدريب الليبيين على استخدام المتفجرات.
وان الأمريكي الذى نظم واشرف على هذه العملية هو “ادوين ويلسون” وهو الذى كان وراء كل الأحداث التى وقعت
بالرغم من وجوده فى السجن فقد كان بمثابة قائد الفرقة الموسيقية [المايسترو] الذى نسق العمليات، وبعد ذلك
تم تفجير الطائرات الامريكية والسفارات والملاهي والمنشأت فى باريس ولندن وبرلين.
“ادوين ويلسون” الموظف فى المخابرات الامريكية كان يعمل ضابطا فى البحرية ثم اختارته المخابرات للعمل معها
وظل يشغل منصبه اثناء قيامه بهذه العمليات وان كانت الروايات تختلف بالنسبة لهذه الواقعة.
القضية هنا ليست قضية “ادوين ويلسون” بل قضية المؤسسات والهيئات التى كانت تحميه، فقد كان المسؤلين
الكبار يعرفون انه كان يتعامل مع ليبيا وانه كان يقبض منها الملايين من الدولارات دون خجل او خوف وشارك عدد منهم
ويلسون فى هذه العمليات حتى بعد ان أتم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة ومن بينهم “ثيودور شاكلى” احد كبار
المسئولين فى إدارة المخابرات والذى كان ينتظر ان يتم تعيينه مديرا لهذا الجهاز فى حالة فوز “فورد” على الرئيس
“جيمى كارتر” فى انتخاباته عام ١٩٧٦ وكان يتمنى ان يختاره “كارتر” لهذا المنصب فقد وصل “شاكلى” الى اعلى السلم
فى جهاز المخابرات الا ان “كارتر” اختار زميله فى البحرية الادميرال “ستانسفيلد تيرنر” لهذا المنصب.
على كل الأحوال
نجح النائب العام “لورانس بارسيلا” فى توجيه تهمة التهريب ومحاولات قتل لموظف المخابرات “ادوين ويلسون
” بعد ان شرح للمسئولين وكبار رجال الدولة والأمن مدى خطورة “ويلسون” وصلاته بأعلى الأجهزة فى الدولة لحماية جرائمه.
المقال القادم بعنوان “خبير المخابرات الامريكية للإرهاب يجند عملاء لحساب القذافى ويشترك فى محاولة لاغتيال البكوش”