كتب-هاني قاعود.
الأحد 16 يونيو 2019م
أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، أن المملكة لا تريد حرباً في
المنطقة، لكنه شدد على أنها “لن تتردد في التعامل مع أي تهديد لشعبنا وسيادتنا ومصالحنا الحيوية”.
وقال ولي العهد السعودي في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط، إن المملكة “أيدت إعادة فرض العقوبات الأميركية
على إيران، إيماناً منا بضرورة اتخاذ المجتمع الدولي موقفاً حازماً تجاه إيران”، معرباً عن أمله “في أن يختار النظام
الإيراني أن يكون دولة طبيعية وأن يتوقف عن نهجه العدائي”.
وأضاف ولي العهد أن “للمملكة دوراً مهماً في المجتمع الدولي يتمثل في جهودها من أجل تأمين وصول إمدادات النفط
عبر الممرات الحيوية التي تحيط بها، وذلك في سبيل حماية استقرار الاقتصاد العالمي. وقد رأى العالم كيف تعاملنا مع
الناقلة الإيرانية في البحر الأحمر وفق ما تمليه علينا أخلاقياتنا ومبادئنا والمواثيق والأعراف الدولية. وبالمقابل
نجد النظام الإيراني ووكلاءه الذين قاموا بأعمال تخريبية لأربع ناقلات بالقرب من ميناء الفجيرة، منها ناقلتان سعوديتان،
مما يؤكد النهج الذي يتبعه هذا النظام في المنطقة والعالم أجمع. والدلائل على ذلك كثيرة وواسعة ومتكررة على مدى سنوات طويلة.”
وأشار إلى أن الاعتداءات على ناقلات النفط في الخليج واستهداف منشآت نفطية في المملكة ومطار أبها “
تؤكد أهمية مطالبنا من المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم أمام نظام توسعي يدعم الإرهاب وينشر القتل والدمار
على مر العقود الماضية، ليس في المنطقة فحسب بل في العالم أجمع”، منتقداً توظيف طهران العوائد الاقتصادية
للاتفاق النووي في “دعم أعمالها العدائية في المنطقة ودعم آلة الفوضى والدمار”.
وفي حين شدد على أن “يد المملكة دائماً ممدودة للسلام بما يحقق أمن المنطقة واستقرارها”، لفت إلى أن
“النظام الإيراني لم يحترم وجود رئيس الوزراء الياباني ضيفاً في إيران وقاموا أثناء وجوده بالرد عملياً على جهوده
، وذلك بالهجوم على ناقلتين، إحداهما عائدة لليابان، كما قاموا عبر ميليشياتهم بالهجوم الآثم على مطار أبها، ما يدل
بشكل واضح على نهج النظام الإيراني ونواياه التي تستهدف أمن المنطقة واستقرارها”.
وأوضح الأمير محمد بن سلمان أن السعودية تنظر “بأهمية كبيرة للعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة”
، باعتبارها “عاملاً أساسياً في تحقيق أمن المنطقة واستقرارها”. وأعرب عن ثقته بأن “علاقاتنا الاستراتيجية
مع الولايات المتحدة لن تتأثر بأي حملات إعلامية أو مواقف من هنا وهناك”، لافتاً إلى أن المملكة “تسعى دائماً لتوضيح
الحقائق والأفكار المغلوطة لدى بعض الأطراف في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، ونستمع لما يُطرَّح ونستفيد من الطرح
المنطقي والموضوعي، لكن في نهاية الأمر أولويتنا هي مصالحنا الوطنية”.
وقال إن السعودية دعمت “الجهود كافة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، لكن للأسف ميليشيا الحوثي تقدم
أجندة إيران على مصالح اليمن وشعبه”. وأضاف: “لا يمكن أن نقبل في المملكة بوجود ميليشيات خارج مؤسسات الدولة
على حدودنا. وأشار إلى أنه سعياً لتحقيق هذا الهدف النهائي، سنواصل عملياتنا ودعمنا للشعب اليمني في سعيه لحماية
استقلاله وسيادته مهما كانت التضحيات. وفي الوقت نفسه ستواصل المملكة عملها على الصعيدين الإنساني والاقتصادي،
وفي مجال إعادة إعمار المناطق المحررة، فهدفنا ليس فقط تحرير اليمن من وجود الميليشيات الإيرانية، وإنما تحقيق الرخاء والاستقرار والازدهار لكل أبناء اليمن”.
ولفت إلى أن بلاده يهمها كثيراً أمن السودان واستقراره، “ليس للأهمية الاستراتيجية لموقعه وخطورة انهيار
مؤسسات الدولة فيه فحسب، ولكن نظراً أيضاً إلى روابط الأخوة الوثيقة بين الشعبين”. ووعد بالاستمرار “في موقفنا
الداعم لأشقائنا السودانيين في مختلف المجالات حتى يصل السودان إلى ما يستحقه من رخاء وازدهار وتقدم”.
وفيما يخص الأزمة السورية، قال إن الرياض تعمل مع الدول الصديقة لتحقيق أهداف؛ بينها “هزيمة تنظيم داعش، ومنع
عودة سيطرة التنظيمات الإرهابية، والتعامل مع النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار في سوريا، واستخدام الوسائل المتاحة
كافة لتحقيق الانتقال السياسي وفق القرار 2254، بما يحافظ على وحدة سوريا”.
ووصف مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي بأنه “جريمة مؤلمة جداً”. وقال إن المملكة تسعى “لتحقيق العدالة والمحاسبة
بشكل كامل” في القضية، “من دون الالتفات إلى ما يَصدُر من البعض لأسبابهم الداخلية التي لا تُخفَى على أحد”. ودعا
“أي طرف يسعى لاستغلال القضية سياسياً”، إلى “أن يتوقف عن ذلك ويقدم ما لديه من أدلة للمحكمة في المملكة بما يسهم في تحقيق العدالة”.
وتعهد ولي العهد بالمضي “من دون تردد في التصدي بشكل حازم لكل أشكال التطرف والطائفية والسياسات الداعمة لهما”،
مشدداً على أن السعودية “لن تضيع الوقت في معالجات جزئية للتطرف، فالتاريخ يثبت عدم جدوى ذلك”.
وفي الشأن الاقتصادي، أكد الالتزام “بالطرح الأولي العام لأرامكو السعودية، وفق الظروف الملائمة وفي الوقت المناسب
“، لكنه اعتبر أن “تحديد مكان الطرح سابق لأوانه”. ولفت إلى استكمال خطوات تمهيدية عدة استعداداً للطرح.
وأوضح أن “رؤية المملكة 2030 انتقلت من مرحلة التخطيط والتصميم إلى مرحلة التنفيذ على جميع الأصعدة،
وبدأنا نرى النتائج على أرض الواقع”. وشدد على أن “ما يحدث في المملكة ليس فقط مجموعة إصلاحات مالية واقتصادية
لتحقيق أرقام محددة، وإنما هو تغيير هيكلي شامل للاقتصاد الكلي هدفه إحداث نقلة في الأداء الاقتصادي والتنموي على المديين المتوسط والطويل”.
وأشار إلى أن “برامج رؤية المملكة 2030 تسهم بشكل فعّال في عملية التحول الاقتصادي.. ونحن الآن ننتقل من اقتصاد
ريعي إلى اقتصاد يتسم بالإنتاجية والتنافسية العالمية”. وأوضح أن “رؤية المملكة 2030 والبرامج المنبثقة
منها شأنها شأن أي خطط استراتيجية لابد من أن تخضع لتحديث وتعديل وفق الظروف والمعطيات التي تظهر عند التطبيق،
من دون الإخلال بركائز الرؤية ومستهدفاتها”.
وأعرب عن فخره “بأن المواطن السعودي أصبح يقود التغيير، بينما تخوف الكثيرون
من أن الرؤية ستواجه مقاومة بسبب حجم التغيير الذي تحتويه”.
وأكد ولي العهد أن “تحقيق تطلعات شعبنا من خلال أهداف رؤية المملكة 2030 الاقتصادية والاجتماعية، والتنمية
والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. يتطلب بيئة مستقرة ومحفزة داخل المملكة وفي المنطقة، لذا ستجد أن
دور المملكة، سواء في منطقة الخليج أو في شمال أفريقيا أو في منطقة القرن الأفريقي وغيرها، هو دور داعم للاستقرار
والسلام، وهو النهج الذي سارت عليه المملكة منذ تأسيسها الساعي دوماً لنبذ التفرقة والطائفية والتطرف
والحفاظ على وحدة واستقرار المنطقة والسلم الدولي.”
وفي ختام الحوار، شدد ولي العهد على أن “المملكة هي قبلة المسلمين وبلد الحرمين الشريفين، حباها الله بالثروات
الطبيعية، والموقع الاستراتيجي، وبقيادات حكيمة منذ عهد الملك المؤسس، طيب الله ثراه، إلى العهد الميمون لمولاي
خادم الحرمين الشريفين، وبشعب جبار مبدع ومبادر. والحمد لله تنعم بلادنا اليوم بالأمن والاستقرار والرخاء،
ولا يليق أن يكون هذا البلد العظيم إلا في موقع الصدارة في كل المجالات مهما كانت الظروف والتحديات.
لن يهدأ لنا بال حتى نحقق هذا الهدف لوطننا أولاً ثم لأشقائنا في المنطقة.”