هاني توفيق
مدينة حلوان واحدة من أكبر مدن محافظة القاهرة، اشتهرت منذ سنوات مضت بوجود عدد من مصانع الصناعات
الثقيلة بها، لكن بعضها قريب من مناطق سكانية، يسبب لأهلها ضرراً بالغ الخطورة، أبرز هذه المناطق قرية «كفر العلو»،
التى تقع على ضفاف النيل، ويمتد الحيز العمرانى فيها من الداخل إلى جوار مصنع أسمنت حلوان الذى يُخرج نسبة
تلوث عالية. هنا وجدنا رجلاً ذا لحية سوداء تتخللها خصلات بيضاء، ويرتدى جلباباً بنياً، يعمل خادماً فى أحد المساجد
، يبدأ ضياء الدين فكرى حديثه قائلاً: «زمان كان اللى يتعب يقولوا له له روح حلوان عشان تتعالج، دلوقتى اللى عايز
مايتعبش ولا صحته تروح، مايجيش يعيش فى حلوان». يقول الرجل الأربعينى، الذى وُلد فى كفر العلو وتعيش عائلته
فى القرية منذ زمن بعيد، إن الأهالى محبطون بسبب عدم وجود حل للأزمة، فالأتربة الضارة تملأ كل منزل فى القرية
، والسكان يعانون معاناة شديدة من التلوث الناتج عن المصنع الذى وعد كثيراً بوضع حلول للمشكلة، لكنها لا تنفذ على
أرض الواقع: «مفيش مولود أو فرد صغير أو كبير فى كفر العلو ماعندوش حساسية على الصدر». تقع إحدى المدارس
بالقرب من المصنع، ما قد يسبب ضرراً كبيراً للأطفال، يوضح ضياء أن الأطفال يعانون من أمراض الصدر والحساسية
نتيجة شدة التلوث فى كافة شوارع القرية والمنازل، متسائلاً: «إزاى هنطلّع أطفال متعلمين كويس وصحتهم كويسة وهما كل يوم الصبح يشموا تراب ملوث».
يوضح «ضياء» أن الأهالى يحاولون زراعة الأشجار فى معظم الشوارع وأمام المنازل لتوفير هواء نقى، لكن نسبة التلوث
المنبعثة من المصنع شديدة للغاية، مشيراً إلى أن جميع المنازل من الداخل بها تلوث شديد: «مفيش بيت جوا القرية مافيهوش
تراب من المصنع، حتى السرير اللى بنام عليه». يقول ضياء إن القرية يسكن بها أكثر من 150 ألف نسمة، جميعهم
يعانون المرض نتيجة نسبة التلوث العالية، موضحاً أن المصنع يقوم بتركيب الفلاتر لمدة بسيطة فى حالة قدوم مسئول
من البيئة، وبعد ذلك يتم رفعها، كما يوضح لهم بعض العاملين بالمصنع، وهو ما يشعر به الأهالى فى الشوارع من قلة
وزيادة الأتربة فى بعض الأوقات، موضحاً أن المنتفعين من المصنع عدد قليل من أهالى القرية، فالعدد الذى يعمل فى
المصنع من الأهالى بسيط مقارنة بعدد العمال داخل المصنع: «صحة الناس مش هيّنة للدرجة دى عشان يتم الاستهتار
بيها». يشير ضياء إلى أن معظم الأطفال المولودين فى القرية يعانون الحساسية نتيجة استنشاق الهواء الملوث،
موضحاً أنها ليست حالة فردية، بل إن معظم الأهالى لديهم أطفال صغار، يذهبون بهم فى أوقات كثيرة إلى أطباء الصدر
نتيجة الحساسية الشديدة التى تسببها لهم الأتربة المنبعثة من المصنع: «إحنا أول ما نروح لدكتور ويعرف إننا
من كفر العلو، يعرف سبب وجود الحساسية عند الأطفال، لأنه على علم بوجود القرية جنب المصنع».
«ضياء»: كل طفل يولد فى القرية مصاب بالحساسية.. و«فوزى»: حرق المخلفات مصيبة ويجب نقل المصنع إلى الصحراء
يطالب ضياء بنظر المسئولين إلى هذه الأزمة الخطيرة، ومحاولة الرقابة على المصنع حتى يتم توفيق أوضاع المصنع،
مشيراً إلى أن إدارة المصنع كانت أعلنت منذ 10 سنوات نيتها نقل المصنع إلى منطقة صحراوية بعيداً عن المنطقة
السكنية، لكن لم يتم ذلك. «يعنى هو الواحد لو اتكلم هيسمعوا كلامه؟»، كلمات بسيطة تفوه بها رجل ستينى يجلس
أمام منزله بجوار مجموعة من الأغنام التى يقوم بتربيتها، يقول مسعد كامل إن التلوث الناتج عن المصنع
يسبب له ولأسرته ضرراً كبيراً، فجميع أفراد أسرته يعانون حساسية الصدر، وهو ما أكدته أيضاً زوجته، يقول مسعد
: «الواحد ييجى ينام يلاقى تراب، وأول ما يصحى من النوم التراب فى كل مكان جوا البيت».يقول فوزى المنياوى
الذى يعمل بشركة أسيك للبيئة ويسكن فى كفر العلو، إن نسبة التلوث المنبعثة من المصنع لم تعد مثل السنوات
السابقة، فقد عمل المصنع على تقليل نسبة التلوث عن طريق فلاتر، وحدثت عملية تعديل كبيرة فى نظام البيئة داخل
المصنع، لكن الاستخدامات الحالية للمصنع ستعمل على رفع نسبة الضرر من 40% إلى 100%، نتيجة المواد السامة التى
يمكن أن تنبعث نتيجة استخدام المخلفات فى التشغيل بديلاً عن المازوت. يوضح «فوزى» أن المصنع يعمل حالياً على
استخدام القمامة ومخلفات المستشفيات وإطارات السيارات التى يتم جمعها وإحراقها داخل الأفران لتوليد طاقة
تشغيل جديدة: «ده ضرر كبير بالمنطقة ويمكن أن يسبب الوفاة لعدد كبير من الأهالى فى سنوات قليلة، ويجب نقل
المصنع بالكامل من المنطقة». يقول «فوزى» إن حلوان كانت من أفضل المناطق فى مصر، من حيث طبيعة
الطقس ونقاء الهواء ووجود أماكن عديدة للعلاج، لكن كل هذا انتهى مع زيادة نسبة التلوث، فأصبحت حلوان اليوم مكاناً
لتجمع الأتربة والتلوث وزيادة الأمراض: «حلوان انتهت بعد ما كانت مكان صحى». يوضح «فوزى» أن الإهمال يسبب الكثير
من المشاكل، فحلوان تعانى من إهمال بالغ على مدار السنوات الماضية، فإذا كان هناك مصنع يسبب كل هذا الضرر للأهالى
فيجب نقله إلى منطقة صحراوية، خاصة إذا كان الضرر الذى يسببه يطول مئات الآلاف من المواطنين: «للأسف
البنى آدم فى مصر رخيص ومالوش أى تمن».
«كفر العلو» أكثر المناطق تضرراً.. والأهالى: المصنع لجأ إلى
حرق المخلفات لتوليد الطاقة.. و«البيئة»: نضع نظام مراقبة لرصد الانبعاثات
يوضح
الدكتور الصيدلى محمد عبدالصمد، الذى يعمل فى حلوان منذ 15 سنة، أن أكثر الأدوية التى يوجد عليها طلب فى
الصيدلية هى الأدوية الخاصة بالحساسية وأمراض الصدر، فالعديد من المواطنين يعانون من أمراض الصدر نتيجة
كثرة الأتربة، ويشير عبدالصمد، الذى يعيش فى الجيزة، إلى أن طبيعة الحياة فى حلوان صعبة للغاية، فالشوارع
مليئة بالأتربة التى تسبب له مشاكل بالصدر وحساسية، ويمسك محمد بشاشة بيضاء فى يده اليمنى وينظر إلى يديه: «أنا
على طول لازم أمشى بالشاش ده عشان أعرف أتنفس كويس».
وتقول الدكتورة منى كمال، رئيس قطاع نوعية البيئة بوزارة البيئة، إنهم يضعون نظام مراقبة على المصانع عن طريق
شبكة رصد للانبعاثات الصناعية، فمن المفترض أن كل مصنع لديه فلتر على المداخن الخاصة به، وإذا تعدت النسب المسموح
بها يتم عمل مخالفة على المصنع، موضحة أن هناك نظام مراقبة وتفتيش كامل على المصانع، مشيرة إلى أن هناك
بعض المصانع التى تساعدها «البيئة» على توفيق أوضاعها.