السؤال :
هل يجوز التهنئة بمناسبة رأس السنة الهجرية؟ أو ما حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد؟ وهل حقًّا أن هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت في ربيع الأول؟ ولو كانت كذلك فلماذا نحتفل ببداية السنة الهجرية ويوم هجرة الرسول فى شهر محرم؟
الجواب :
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلامُ على خاتمِ الأنبياء والمرسَلين.
أمَّا بعدُ:
اختلف العلماء في
حكم التهنئة بالعام الهجري
فذهب العلماء المصريين إلى جواز التهنئة وعدَّوها من الأمورِ العادية لا التعبديَّة
،وقالوا “التهنئة بمناسبة رأس السنة الهجرية جائزة شرعًا ولا بدعة فيها.”
وهي من الأمور المباحة ، “ويقصد بها الدعاء بالخير”، :ويا حبذا لو كان الدعاء بقولك
جعل الله هذا العام عام عز ونصر للأمة الإسلامية، وجعله عام خير وبركه
ونحو هذه الدعوات الطيبة، ولعلَّ صاحبها يُؤجَر عليها؛
لإدخالِه السرورَ على أخيه المسلمِ، فالمباح – كما قال ابنُ تيميَّة: (بالنيَّة الحَسنة
يكون خيرًا، وبالنيَّة السيِّئة يكون شرًّا)؛ فالتهنئةُ بهذه الأمورِ تَدورُ بين الإباحةِ والاستحباب.
روي عن أحمد في التهنئة
بالعيد أنه من هنأه رد عليه، وإلا لم يبتدئه، ولا أعلم في التهنئة بالعيد شيئاً يثبت.
وقد قال أصحابنا من الحنابلة: لا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منا ومنك، فالجواب:
أي لا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضاً بما هو مستفيض بينهم، وقد يستدل
لهذا من حيث العموم بمشروعية سجود الشكر، ومشروعية التعزية
، وتبشير النبي –صلى الله عليه وسلم- بقدوم رمضان، انظر ما رواه النسائي (2106)، وتهنئة طلحة بن عبيد الله لكعب بن مالك، وبحضرة
النبي –صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه، انظر ما رواه البخاري (4418) ومسلم (2769).
قال ابن تيمية –رحمه الله
-: قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره.
وذكر الحافظ ابن حجر
مشروعيته، وثمة آثار عديدة في مثل ذلك.
قال أحمد: لا أبتدئ به، فإن ابتدأني أحد أجبته.
وذلك لأن جواب التحية
واجب؛ لقوله –تعالى-:”وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها” الآية [النساء:86].ولم يرد في مثل ذلك نهي، ولا يدخل
مثل هذا في باب البدع؛ لأنه من محاسن العادات وطيب الأخلاق، ولا يقصد به محض التعبد
بينما ذهب علماء الخليج
إلى المنع في المجمل . فقالوا :
التهنئة بالعام الجديد لم تكُن معروفةً عند السَّلف، لكنْ لمَّا شاعتْ في الأزمنة المتأخِّرةِ
ومنهم مَن قال: لا تَبتدئ التهنئة، ولا بأس بأن تردَّ على مَن هنَّأك وتدعوَ له بأنْ يكون عامُه الجديدُ عامَ خيرٍ وبركةٍ.
وقد استدل أصحاب هذا الاتجاه
القائل بالمنع واستدلوا بعِدَّة وجوهٍ؛ فمن ذلك:
1- أنَّها تهنئةٌ بيومٍ معيَّن في السَّنة يعود كلَّ عام، فالتهنئةُ به تُلحِقه بالأعياد،
وقد نُهينا أن يكونَ لنا عيدٌ غير الفِطر والأضحى؛ فتُمنع التهنئةُ من هذه الجِهة.
2- أنَّ فيها تشبُّهًا
باليهودِ والنصارى، وقد أُمِرْنا بمخالفتِهم؛ أمَّا اليهود فيُهنِّئ
بعضُهم برأس السَّنة العِبريَّة، التي تبدأ بشهرِ (تشري)، وهو أوَّل الشُّهور
عند اليهود، ويحرُم العملُ فيه كما يحرُم يوم السَّبت.
وأمَّا النصارى فيُهنِّئ بعضُهم بعضا برأسِ السَّنة الميلاديَّة.
3- أنَّ فيها تشبُّهًا بالمجوسِ ومُشرِكي العرب؛ أمَّا المجوس فيُهنِّئ بعضُهم
في عيد النيروز، وهو أوَّل أيَّام السَّنة عندهم، ومعنى (نيروز): اليوم الجديد. وأمَّا العرَب في الجاهليَّة، فقد كانوا يُهنِّئون ملوكَهم في
اليومِ الأوَّل من محرَّم، كما ذكَر ذلك القزوينيُّ في كتابه ((عجائب المخلوقات)).
4-أن هذا لم يكن موجودا في زمن الصَّحابة رضي الله عنهم.
5- أنَّ القول بجوازِ التَّهنئة يُفضي إلى التوسُّع فيها؛ فتكثُر رسائلُ الجوَّال، وبطاقات التهنئة (المعايدة)، وعلى صفحاتِ الجرائد
ووسائلِ الإعلام، وربَّما صاحَبَ ذلك زياراتٌ للتهنئة، واحتفالاتٌ، وعُطَل رسميَّة، كما هو حاصلٌ في بعض الدول، وليس لِمَن أجاز ا
لتهنئةَ بأوَّل العام الهجري الجديد وعدَّها من العاداتِ حُجَّةٌ في مَنْع هذا إذا اعتادَه الناسُ وأصبَحَ عِندَهم من العادات؛ فسَدُّ هذا البابِ أَوْلى.
6- أنَّ التهنئةَ بالعام الهجري الجديدَ لا معنَى لها أصلًا؛ إذ الأصلُ في معنى التهنئة: تجدُّد نِعمة، أو دَفْع نِقمة؛ فأيُّ نِعمة حصَلَت بانتهاءِ
عامٍ هِجري؟! والأَوْلى هو الاعتبارُ بذَهابِ الأعمار، ونَقصِ الآجال.
هذه هي مجمل الأدلة التي
استدلوا بها على المنع ، وما قالوه ، فقه قديم لا يتماشى مع المفاهيم الإنسانية ،ولا إشاعة السرور ،ويجعل الحياة قاتمة ،شديدة العبوس ،
لا جديد فيها ،ولا روح لها ،ولا إحساس بالزمان ولا بالأحداث كما أن مفهوم التحريم لكل شيء بدون دليل واضح من الشريعة
، يجعل معظم الحياة محرمة ،وهذا له مردود سيء على الأمة لأن الناس حينما تسد في طريقهم كل الأبواب ،يتركون التشريع
كله بحجة أنهم لا يستطيعون تنفيذه ،وإذا كانت المباركة بالعام الهجري تدعو للسرور والتقارب والبشر ،فما المانع منها ،
وخاصة أن هؤلاء الناس ليس في عقولهم لا عيد النيروز ولا عيد اليهود والنصارى ،إنه يمثل عندهم تذكر هجرة المصطفي
صلى الله عليه وسلم من مكة للمدينة المنورة . أكبر أحداث الإسلام ، فهذا الاحتفال لا مانع منها شرعًا؛” لأنه يذكر المسلمين في كافة
أرجاء الدنيا بما كان عليه صاحب الذكرى من خلق قويم ونهج مستقيم، وكيف كانت هجرته من مكة للمدينة وكيف أخرج الناس
من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان واليقين، وما نوصي به أنه لا بد أن يراعى في مثل هذه الاحتفالات الالتزام بآداب الإسلام وتعاليمه،
ولا يتحقق ذلك إلا بصيرورة هذه الاحتفالات ندوات علمية وتوعية يعرف فيها المسلمون تاريخ إسلامهم وأسلوب نبيهم الحافل بالعظات
والعبر والجهاد والكفاح والصبر على تحمل الشدائد، ويلتمسون التعاليم السامية التي ينتفع بها الإنسان في حياته وبعد مماته،
كما يجب أن يراعى في هذه الاحتفالات عدم اختلاط الرجال بالنساء، وأن لا يحدث هرج ومرج وألا ترتكب الفواحش، وبما يتنافى
مع آداب الإسلام وتعاليم النبي المحتفى به عليه الصلاة والسلام، وأن يكون الرسول الكريم هو القدوة في هذه الاحتفالات
حتى يكون عملنا مرضيًا لله رب العالمين ولنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في قبره الشريف.
أما عن السؤال بأن
هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت في ربيع الأول؟ ولو كانت كذلك فلماذا نحتفل ببداية السنة الهجرية ويوم هجرة الرسول
فى شهر محرم؟ فالجواب :”بأن النبي هاجر من مكة ووصل صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة في شهر ربيع الأول، لكن جُعِل شهر المحرم ب
داية العام الهجري لأنه كان بداية العزم على الهجرة؛ يقول الحافظ ابن حجر في ” وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ -أي التأريخ بالهجرة- مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ
إِلَى الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ؛ إِذِ الْبَيْعَةُ وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْهِجْرَةِ، فَكَانَ
أَوَّلُ هِلَالٍ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْبَيْعَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُبْتَدَأً. وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَةِ الِابْتِدَاءِ بِالْمُحَرَّمِ اهـ. والله سبحانه وتعالى أعلم.