نشأة و تطور الصحافة اليهودية في مصر.
تقرير /عارف نبيه
لم يكن المجتمع المصري يدرك خطورة الحركة الصهيونية حتي قيام اسرائيل ١٩٤٨ حتي ان الطبقة السياسية
و النخبة المثقفة كانت تبدي تعاطفا مع الحركة خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية
عندما كانت تتوارد أنباء معسكرات الغاز و إبادة اليهود علي يد سلطات ألمانيا النازية.
و الحقيقة أن مصر قلب الوطن العربي كانت مسرحا لحركة صحفية صهيونية بدأت و تحولت من مجرد صوت للتعبير عن أفكار
و مصالح الطائفة اليهودية في مصر الي أداة سياسية للدعاية للحركة الصهيونية وإنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين.
و للتمييز بين الصحف الصهيونية و الصحف التي أصدرها بعض اليهود المصريين ولم تكن تحمل شبهة الدعاية للحركة
الصهيونية خصوصا تلك الصحف التي صدرت قبل عقد المؤتمر الصهيوني الأول ١٨٩٧.ألا أن الصحف التي أصدرتها الطائفة اليهودية
بمصر كانت تبدي تعاطفا خفيا مع الاتجاهات الصهيونية ولكنها كانت تحاول أن تبدو بمظهر الملتزم بمصالح الطائفة
من الناحية الدينية مثل صحيفة الإتحاد الإسرائيلي التي لم تفلح في إخفاء تعاطفها مع الحركة الصهيونية و كشفت عن حقيقة
انتمائها عندما أثيرت للرد علي صحيفة الأهرام مؤكدة أن القرائين اليهود يناصرون الصهيونية و يوافقون علي مخططاتها وكتبوا عن ذلك بصورة رسمية.
و يلاحظ أن الدعاية الصهيونية في مصر اعتمدت في بداية القرن ال20 علي الصحافة المصرية حتي عام ١٩٢٠ الذي شهد صدور
صحيفة إسرائيل باعتبارها اول صوت إعلامي صهيوني باللغة العربية وكانت قد سبقتها المجلة الصهيونية التي صدرت باللغة الفرنسية
كلسان ناطق باسم المنظمة الصهيونية العالمية في مصر برئاسة ليون كاسترو. و عندما استكملت الحركة الصهيونية مقومات
وجودها داخل المجتمع المصري و التي تمثلت في وجود تنظيمات و نوادي ثقافية و رياضية و قاعدة عريضة من المساندة
المصرية و اليهودية أصبحت لها صحفها المستقلة الناطقة بإسمها.
وقد تباينت الأدوار و تعددت المسئوليات الدعائية واختلفت اتجاهات بعض الصحف و مواقفها من أطراف الصراع
و لكنها اتفقت جميعها على خدمة الهدف الإستراتيجي للصهيونية بجميع الأساليب و كان اختلافها و تباينها في كثير من المراحل
لصالح الحركة الصهيونية أكثر مما لو كانت متطابقة معها في النغمة و المضمون
ولقد حاولت الحركة الصهيونية تطويع أدواتها الدعائية طبقا لطبيعة المراحل المختلفة لتأسيس الوطن القومي لليهود في فلسطين
ففي العشرينات كان من الخطورة بالنسبة للحركة الصهيونية أن تفصح عن استراتيجيتها من خلال الصحف لذلك لجأت
الي أساليب دعائية جمعت بين الشعور بالحذر و محاولة التخفي وراء عدة أقنعة مثل إصدار صحف باللغة الفرنسية مثل
(الفجر و المجلة الصهيونية و إسرائيل) أو التخفي وراء الواجهة الدينية (مجلة الاتحاد الإسرائيلي )
و لذلك تدرجت
في في اساليبها الدعائية بحيث كانت تتسق مع حجم الإنجاز الصهيوني الذي كان يتم علي الأراضي الفلسطينية
. ففي العشرينات صدرت جريدة إسرائيل ١٩٢٥ وفي الثلاثينيات ظهرت صحيفةالشمس ١٩٣٤.و عندما وصلت الهجرة
اليهودية الي فلسطين الي الحد الذي يمثل سندا فعليا للحركة الصهيونية و تجسيدا ماديا لوعد بلفور اختلفت أساليب الدعاية
الصهيونية كما و نوعا ففي الأربعينات عندما أصبح تحقيق الوطن القومي لليهود في فلسطين قاب قوسين أو أدنى و انكشف
تماما الخطر الصهيوني أمام أعين الرأي العام العربي و المصري من خلال الصدامات الدامية التي وقعت بين الحركة الوطنية
الفلسطينية في مواجهة الحركة الصهيونية المدعومة بالمساندة البريطانية حيث أصلح لزاما علي الحركة الصهيونية
أن تعيد النظر في اساليبها الدعائية فلم تقدم علي إصدار صحف صهيونية جديدة ولكن عوضا عن ذلك فوجئ الرأي العام
المصري بأسلوب دعائي صهيوني جديد تمثل في إصدار مجلة مصرية ذات طابع ثقافي ضمت نخبة من كبار المثقفيين المصريين
بتمويل يهودي صهيوني و تحمل واجهةليبرالية حضارية لا تحتمل إثارة الشكوك حول انتمائها أو هويتها الحقيقية
تلك الصحيفة هي الكاتب المصري التي صدرت في أكتوبر ١٩٤٥وكان يرأس تحريرها د/طه حسين و التي عالجت أحداث الصراع
الفلسطيني الصهيونى في ذروة تصاعدها كحدث هامشي كما انها أبدت اهتماما ملحوظا بإبراز إنجازات اليهود و إسهاماتهم
في الثقافة و الأدب العربي
وما يهمنا هو ضرورة فهم طبيعة الاستراتيجية الصهيونية التي
استثمرت كافة القوي لخدمة أهدافها التوسعية مسلحة بدرجة عالية من التنظيم و النفس الطويل الذي تميزت به الحركة الصهيونية
و التي مارسته بخبث و دهاء و قدرة بارعة علي الخداع طوال مسيرتها منذ مؤتمر بال ١٨٩٧.
و في إطار الالتزام
بهذه الاستراتيجية تمكنت الحركة الصهيونية من اختراق معظم التيارات الفكرية و السياسية في مصر ماعدا التيارات القومية
والإسلامية و تحت غطاء حرية الفكر و الثقافة و ضرورة نشر الفكر العقلاني التنويري نجحت في اختراق نخبة المثقفين الليبراليين
بزعامة طه حسين كما نجحت في اختراق الماركسيين المصريين من خلال إقناعهم بأولوية الصراع الطبقي و تهميش الصراع
القومي وان السبيل الوحيد للنهوض بفلسطين يكمن في وحدة الطبقة العاملة اليهودية العربية.
وهكذا نجحت الصهيونية في استقطاب أهم التيارات الفكرية و السياسية الفاعلة علي الساحة المصرية و تمكنت من تحييد
مواقفهم إزاء الصراع الفلسطيني الصهيوني حتي تم لها حلمها التوسعي و إقامة دولتها علي الارض الفلسطينية المغتصبة.