الأحزاب و الديموقراطية و نظام الحكم..
إن التقدم الذي حدث في الممارسة الديموقراطية داخل الأحزاب المعاصرة محدود و جزئي لكنه يكتسب دلاله مهمة في ظل حدوث
تقدم مواز في ديموقراطية نظام الحكم بالمقارنة مع مرحلة ماقبل ١٩٥٢. فالثابت أن نظام الديموقراطية المقيدة الذي تعرفه
مصر منذ١٩٧٦ ينطوي علي تراجع في مستوي التطور الديموقراطي بالمقارنة مع النظام الديموقراطي المقيد أيضا ٢٣-١٩٥٢ فقد
أصبح هناك قيودا لم تكن معروفه من قبل ١٩٥٢علي التعدد التنظيمي وهي قيود آخذة في التزايد كما غدت الانتهاكات لحرية
و نزاهة الإنتخابات أكثر حدة. فرغم أن معظم الانتخابات في مرحلة ما قبل ١٩٥٢ شهدت تدخلات شتي، و أعمال
تزوير فقد توافرت لبعضها الحرية و النزاهة و هو ما لم يتوفر لاي انتخابات عامة مصرية منذ ١٩٧٦. فقد اعيد بناء نظام الحكم
بشكل سلطوي صارم بعد ذلك ولم يؤد الهامش الديموقراطي الذي أتيح منذ ١٩٧٦ لتجاوز النظام السلطوي وإنما
بقي هذا الهامش ضمنه و في إطاره كما هو الحال في مختلف التجارب التي يطلق عليها (الديموقراطية المقيدة).
ومع ذلك حدث قدر ما من التقدم في مستوي التطور الديموقراطي داخل الأحزاب المعاصرة و بعض مؤسسات
المجتمع المدني الأخري و خاصة النقابات المهنية.
و عموما فإن مستوي تطور الديموقراطية في مؤسسات
المجتمع المصري ما زال اقل من ان يبشر بإنعكاسات إيجابية علي نظام الحكم و أن العائقين الرئيسيين أمام هذا التطور في
الاحزاب هما نفسهما اللذان يحولان دون تجاوز نظام الديموقراطية المقيدة :دور رئيس الحزب و المركزية الشديدة.
و ما زالت الأحزاب المصرية تفتقد الي نخب مؤمنة و ملتزمة بالديموقراطية و قادرة علي مأسسة هذة الأحزاب.
و تلك هي القضية المحورية في أي تطور ديموقراطي أي القدرة على بناء المؤسسات و تدعيمها و الحفاظ عليها.
و يعاني التفسير الثقافي للديموقراطية من قصور شديد و يتلخص في ضرورة توفر نوع معين من القيم السياسية و الاجتماعية
كشرط لازم لوجود و استمرار الديموقراطية وعلي ذلك يجب أن تتحلي النخب السياسية و النشطاء السياسيين بالثقافة
السياسية دون الجمهور. فالتطور الديموقراطي يتوقف على آداء النخب السياسية و المثقفة في الدولة و المجتمع قبل أي شيئ
آخر وخاصة في مجال قدرتها علي بناء مؤسسات ديموقراطية من شأنها تدريب المواطنين علي المشاركة و التنافس و التسامح و المساومة.
و تلك تحديداً هي معضلة التطور الديموقراطيي في مصر لأن المهيمن علي الأحزاب السياسية هي نخب لا تؤمن بالديموقراطية
إيماناً حقيقياً و لا يتوفر لديها استعداد كاف بالإلتزام بها.
و ختاما اقول ان ضعف تطور مؤسسات المجتمع في مصر و غياب نخب سياسية ملتزمة بالديموقراطية هما العاملان الأكثر
أهمية في تفسير أزمة التطور الديموقراطي سواء داخل الأحزاب أو في نظام الحكم. لذلك يتوقف تجاوز تلك الأزمة علي
وجود نخب تؤمن بالديموقراطية و تلتزم بها و تتحلي بثقافتها و خاصة في الاحزاب السياسية التي بإمكانها تقديم نموذج
مشع يؤثر علي منظمات المجتمع الأخري وعلي نظام الحكم في آن معا.
فوجود نخب حزبية بهذة المواصفات تتيح مأسسة الأحزاب كخطوة جوهرية باتجاه تدعيم التطور الديموقراطي
وليست هذة عملية سهلة بأي حال فعندما لا تتوافر تقاليد لمؤسسات مستقلة عميقة الجذور لا يكون تأسيسها أمرا يسيرا.
و لذلك فإن مأسسة الأحزاب المصرية تقتضي جهودا كبري تشمل أيضا تدعيم الإستقلال و الموارد و الخبرات و المهارات
التنظيمية وهنا فقط يمكن توقع نقلة كبري في مستوي التطور الديموقراطي لاتقتصر علي الأحزاب السياسية.