قنا: ممدوح السنبسي
جاء افتتاح منتدى دندرة الثقافي المقام بقرية دندرة بمحافظة قنا في دورته الخامسة والذي حمل عنوان ” قيمة الإنسان ”
بكلمة الأمير هاشم الدندراوي رئيس مركز دندرة الثقافي والتي تناول فيها قيمة الإنسان من المنظور الدندراوي وجاءت كلمته على النحو التالي
يتقدّم إنسانٌ بطلب للحصول على وظيفة فيتعرّض للتقييم من جهة المسؤولين بناء على سيرته العلمية والعملية وعلى
مقابلة شخصية ويسكن إنسان مع أهل بيته في عمارة تقع في شارع من شوارع مدينة أو في منزل ضمن حي سكني في قرية
فيتعرّض من جهة جيرانه للتقييم لتحديد حجم ترحيبهم به وقبوله في بيئتهم الاجتماعية. ويؤدي ثالثٌ عمله الوظيفي
في الحقل العام أو الخاص فيتعرض للتقييم من جهة زملائه في بيئة العمل لتحديد مكانه ومكانته ونمط العلاقة معه
باختصار إن الإنسان يتعرّض للتقييم من محيطه البشري وفي مناحي الحياة كلها العلمية والعملية والعائلية والاجتماعية
حيث إننا كيان اجتماعي يهتم بالإصلاح الإنساني نتلفّت حولنا لنتعرّف على المعايير التي يعوّل عليها الناس في تقييم
بعضهم البعض فنجد أننا أمام بيئات اجتماعية ذات موازين متعددة ومتنوعة ومتداخلة في الحكم على إنسان بأنه يستحق
التقدير والإجلال فمن الناس من يقيس كل آخر بدرجة تديّنه وتقواه ومنهم من يزنه بوسع ثقافته وطرافة حديثه ومنهم
من يثمّن حسن الخلق فيرفع صاحبه فوق غيره ويختصّه بالتقريب والصحبة ويرتضيه للتعامل الاقتصادي والمالي.
أما الطائفة العظمى من الناس – وهم الأغلبية – فإنهم لا يقدّرون إنساناً ولا يعتبرونه قامة اجتماعية يفسحون له في المجالس
ويجتهدون للتقرب منه إلا إن كان غنياً أو وجيهاً أو مشهوراً أو يَشْغَل منصباً منظوراً ويمسك بطرفٍ من سلطة الحل والعقد.
ومن المحزن أن هذه الأغلبية من الناس إن تجرّد صاحب الحظوة والقيمة لديهم مما كان يزيّنه من مالٍ أو جاه أو شهرة
أو سلطة تراهم ينفضّون عنه ويلتفّون حول من وصلت إليه هذه المكاسب المعرّضة للزوال
وبناء على كون غالبية أهل مجتمع من مجتمعاتنا يقيّمون الإنسان بما يمتلكه لا بما هو عليه فإننا مدعوّون للتفكّر في هذه المسألة
ونطرح ثلاثة أسئلة وهي: من المتحكّم في قيمة الإنسان هل هو الإنسان نفسه أم المجتمع وما هي منابع القيمة الحقيقية
في الإنسان وكيف نغيّر “ثقافة التقييم” السائدة في مجتمعاتنا والمتمحورة – في الأغلب – حول معايير برانية ومتقلبة لا تدوم
وفي سياق الإجابة على السؤال الأول نقول إن الإنسان – من المنظور الدندراوي – هو الذي يحدد قيمته الذاتية وطول قامته الاجتماعية.
ولكن هذا التحديد لا يتحقق بالقول والادعاء ولا بالظن والشعور ولا بالإكراه والفَرْض ولا بالحَرْد من المجتمع بل هو صناعة مبنية على معرفة
أما دور المجتمع في عملية التقييم فليس هامشياً لأنه الجهة التي تتعامل مع الشخص وترى عمله وتصدر عليه حكم القيمة.
فإن كان الإنسان يعيش في مجتمع عَدْلٍ تسود فيه القيم الإنسانية الأصيلة فإنه هو الذي يتحكّم في قيمته الذاتية ويترك تقييمه
الإنساني للمجتمع ليقول فيه كلمته. أما إن كان المجتمع ظالماً وتسيطر عليه المصالح المادية والمعايير البرانية فتنقلب المعادلة
ويصبح المجتمع هو الذي يتواطئ على صنع قيمة الإنسان مما يدفع الشباب – في كثير من الأحيان – إلى حافة اليأس
من إمكانية التميّز وإثبات الذات إن لم يمتلكوا ما يمثل قيمة في أعين أهل هذا المجتمع
وتضعنا الإجابة على السؤال الثاني المتعلق بمنابع القيمة في الإنسان وهو سؤال معرفي أمام مهمة رسم خارطة خطى
تؤمن للإنسان المعرفة اللازمة لتحقيق قيمته الذاتية ومكانته الاجتماعية. ومن المنظور الدندراوي فإن هذه الخارطة المعرفية رباعية الخطى
الخطوة الأولى. بناء الجوهر الإنساني إن بناء الذات هو الحجر الأساس الذي تقوم عليه قيمة الإنسان وترتفع قامته فإن تمكّن
الإنسان من أن يحقّق لمكوناته الذاتية أقصى فاعلية ممكنة، ويكيّفها لتتفاعل مع محيطها بما يرسي الأمن والأمان.. فهو –
دون شك – قد قام بالخطوة الأولى التي تُلزم الآخر العَدْل بالنظر إليه بعين الاستحسان والتكريم الإنساني
الخطوة الثانية العناية بالمظهر الإنساني إن الجوهر الإنساني على أسبقيته وأهميته إلا أنه قد يسقط إن ترافق مع مظهرٍ يخرج
عن الأعراف السائدة في نمط التعايش الاجتماعي. ومن هنا فإن الشخص الساعي على قيمة إنسانية في مجتمعه الخاص
أو العام، يتعيّن عليه أن يقدّم جوهره الإنساني في صورة مقبولة عند الناس. عمادها: النظافة وحُسن السَمْت وجمال الحركة وكياسة الكلمة
الخطوة الثالثة الالتزام بقيم العيش المشترك إن المجتمع من منظور الإسلام هو تعددي وقد يجمع في بنيان واحد
المختلفين فكراً وديناً وعرقاً وجذوراً ثقافية. ومن هنا يحقق الإنسان قيمته في مجتمعه من قوة اقتداره على أن يحافظ على
هويته الإنسانية ويندمج مع الآخر المختلف في الوقت نفسه وتتمحور قيم العيش المشترك حول القيم الأخلاقية الملزمة
بالصدق والأمانة والحياء والشجاعة، وحول القيم الاجتماعية الملزمة بحسن الجوار وقبول الاختلاف والإيجابية
في الشراكة الاجتماعية واحترام معتقد الآخر وفكره
الخطوة الرابعة.. ممارسة عمل نافع للمجتمع: إن العمل للإنسان هو ضرورةٌ دينية وأخلاقية واقتصادية واجتماعية
ولا يستصغر إنسانٌ عمله مهما كان متواضعاً وقليل المردود المادي، لأن كل عملٍ – سواء كان حرفياً أو مهنياً أو إدارياً أو وظيفياً –
مرصودٌ في تقسيم الأعمال الاجتماعية ولا تكتمل دورة الحياة وحاجياتها إلا بوجوده. إنّ نَظَرَ الإنسانِ إلى عمله بعين
المردود الاجتماعي له يساعده على تقديره والاجتهاد في إتقانه بما يسهم في تنمية اقتصاد وطنه
إذن خطى أربع تمكّن الإنسان من صناعة قيمته الذاتية ومن رفع دعائم قامته الاجتماعية في عين ذاته وفي عيون أهل العَدْل
والفَضْل من الناس وهذا يقودنا إلى السؤال الثالث حول التغيير الثقافي
وفي إطار الاستجابة لمتطلبات السؤال الثالث نتفكر في منطلقات التغيير الثقافي – الاجتماعي المنشود وإمكاناته
ونقول بدافع من إحساسنا بالمسؤولية الاجتماعية:
إن المجتمع كيان حيّ لا تتوقف تفاعلات مكوناته عن التغير الإيجابي
أو السلبي ويحدث هذا التغير الاجتماعي: إما على صيغة تداعيات هي أشبه بردات الفعل نتيجة حروب وأزمات أو تقدم
تقني أو اختراع علمي أو انفتاح – طوعي أو قسري – على مجتمعات مختلفة الثقافة أو الدخول في واقع عالمي جديد يفرض ظروفاً جديدة
وإما أن يحدث التغير الاجتماعي على صيغة واعية وهادفة يشارك فيها كل مواطن يستشعر من ذاته واجب المسؤولية
الاجتماعية وهم أطراف متعددة قد لا يجمعها برنامج واحد وإنما يؤلف بينها هدف واحد وهو تعزيز مكانة الإنسان في المجتمع
وترسيخ قيمته الذاتية بعيدا عن القيم المادية الزائلة وهذه الأطراف منها: المفكرون والأدباء والشعراء والفنانون
والإعلاميون وقادة الجماعات والتجمعات والجموع الدينية والمدنية وغيرهم
وفي سياق المساهمة بنصيب من هذا الخير الاجتماعي، نبدأ بأنفسنا وبمَنْ يقتنع بفكرنا الدندراوي فنتبنى رباعية تقييم
الإنسان ليس بالنظر فيما يزينه من مال أو جاه أو شهرة أو منصب ولكن بالنظر إلى معايير أربعة هي : بناء ذاته حسن
مظهره وإلتزامه بقيم العيش المشترك، وإتقانه لعمل نافع.
وحيث إن الأسرة الدندراوية هي كيان إنساني ولا تشكل مجتمعاً داخل المجتمع، فإن تفاعلنا مع المجتمع العام في الوطن –
من أجل الإنسان – يتجلى فيما نقيم من أنشطة طوال العام وفيما نعقده من مؤتمرات سنوية ومنتديات اقتصادية وثقافية
إننا لا ننظر إلى منتدياتنا الثقافية على أنها “حدث ثقافي” بل نأمل أن تكون “منصة ثقافية” يشارك فيها كل الأطراف
المهتمة بالإنسان، وأن يكون كل منتدى منها خطوة على درب التغيير الثقافي الذي يرسي الأمن الاجتماعي ويدفع الإنسان
ذكراً وأنثى، كبيراً وصغيراً إلى العمل على ذاته والنهوض بعلمه وعمله