إنسحاب و إنتصار
منذ زمن بعيد كانت قرطاجنة هي أكبر منافسي روما في شمال غرب أفريقيا وفي غمار احداث الحرب البونيه الاولى(264~241 ق. م.)
استباحت الجيوش الرومانيه اراضي قرطاجنه. و إستعبد الرومان شعب قرطاجنه بعد إنتصارهم في معارك الحرب البونيه
الأولي بفضل سيطرة الرومان البحرية في البحر المتوسط.
وفي الجهة الأخري أقسم هانيبال زعيم القرطاجيين أن يكون عدوا دائما لروما وأن يستعيد لموطنه القرطاجي مكانته في العالم
كقوة لها شأنها و احترامها ورغم كل النصائح الرامية إلي عزمه هاجم هانيبال إقليم (ساجنتوم) في شرق إسبانيا مفتتحا
بذلك الحرب البونيه الثانية(218 ~201ق.م)التي ذاعت شهرتها في التاريخ القديم.
توغل هانيبال بجيشه متجها جهة الشمال الإسباني في محاولة للتمويه علي الهدف الحقيقي من عبوره مضيق جبل طارق لكي يجعل
الرومان يعتقدون أنه يقصد إلي التوسع في إحتلال الأراضي الإسبانية ولا يقصد الهجوم علي روما!!.
وهكذا خدع هانيبال القائد الروماني المعروف ب(سكيبيو الأفريقي) الذي كان قد تحرك لمنازلة جيش هانيبال فوق الأراضي
الإسبانية إذ إنحرف هانيبال بجيشه في إتجاه الجنوب الشرقي عابرا جبال الألب الوعرة لكي يواجه الجيوش الرومانية المرعوبة لمجر
أن هانيبال قد إستطاع أن يجتاز بجيشه عقبة جبال الألب لكي يحارب الرومان في أعماق موطنهم الأصلي وهو الشأن الذي لم يكن يدور أبدا بخيالهم!!
إنتصر هانيبال علي الرومان في ثلاث معارك حربية متتالية هي : معركة ترابيا.. معركة بحيرة تراسيمينيا.. معركة كانيا.
إنزعج مجلس الشيوخ الروماني لانتصارات هانيبال وإقترابه من روما العاصمة!. و سأل أعضاء مجلس الشيوخ الروماني
زميلهم (فابيوس كونتاكتور) عن الطريقة الأمثل لوقف تقدم هانيبال فقال لهم كلمة واحدة هي :الزمن
سألوه كيف؟ فقال لهم “جيش هانيبال باستخدامه الأفيال ينتصر علي أي جيش روماني يلتحم مع جيشه في معركة تصادمية. و الرأي عندي هو ألا يلتحم الجيش الروماني
مع جيش هانيبال في أي معركة بل ينسحب أمامه فلا يتمكن هانيبال من تحطيم الجيش الروماني وليكن طريق جيش هانيبال
المتجه الي روما خاليا من الجيوش الرومانيه و بذلك يطول أمد المعركة و بمرور الوقت تموت الأفيال في جيشه و يموت بسبب
شدة البرد عدد كبير من جنوده دون أن يبلغ أبواب روما و يضعف جيش هانيبال و نتمكن من هزيمته بسهوله “.
وافق أعضاء مجلس الشيوخ علي تلك الاستراتيجية الحربية التي ابتدعها فابيوس كونتاكتور. و صدرت التعليمات الي قيادة الجيش
الروماني بعدم الالتحام مع جيش هانيبال في معركة تصادمية وتحقق الهدف من تلك الاستراتيجية و بمرور الوقت ماتت الأفيال
ومات كثير من جيش هانيبال مما إضطره إلي الارتداد مع الفلول القليلة المتبقية
معه وعاد مرة أخري الي قرطاجنه وقد فقد كل جيشه بعد سته عشر عاما من محاولته غزو روما!.
و منذ ذلك الحين ظهر الي الوجود مفهوم (الفابيه) نسبة الي فابيوس كونتاكتور
و معناه هو الإعتماد علي عنصر الزمن وصولا
الي الإصلاح التدريجي في مواجهة المشكلات الكبري دون محاولة اللجوء
إلي حل سريع لها خصوصا عندما يكون الحل السريع صعب المنال.
في عام 203 ق. م. تحول الرومان من الدفاع الي الهجوم علي قرطاجنه عبر البحر المتوسط وتم تأديب القرطاجيين
حتي لا تقوم لهم قائمة ضد السيطرة الرومانية حول البحر المتوسط مرة أخري.
وتم للرومان دحر مقاومة القرطاجيين في معركة (زاما) سنه 202 في شمال أفريقيا وشهد هانيبال بعينه تحطم أمله الوحيد
في الحياة الذي كان يتمثل في الإنتقام من روما و تحطيمها مما افضي
في النهاية الي تحطيم وطنه المحبوب قرطاجنه وانتحر هانيبال عام 183ق.م.