الصحافة إمبراطورية خالدة
الصحافة هي الكلمة التي حكمت ضمير الأمم و صنعت حركات التاريخ وهي أيضا القوة المؤثرة التي تستمد فعالياتها من قوة الكلمة
التي تستقر في العقول و الأذهان و تتجاوب مع آمال الأمم و طموح الشعوب.
و الصحافة في حقيقتها رسالة قبل أن تكون مهنة وليست تجارة و لا شعارات تتغير بتغير الأبواق ولكنها عقل مفكر له هدف و غاية وهي صوت يخاطب عقول الرأي العام.
و أولي واجبات الصحافة أن تنقل الأخبار دون تحيز شخصي و ان تحترم الحقائق و ترتبط بقانون أخلاقي والصحف تبقي
إمبراطوريات خالدة. وان خلود الأفكار تنقله الصحافة. وتبقي الصحافة سلطة في كل الأحوال رغم محاولات النظم الاستبدادية
تحويلها من كونها سلطة للحرية الي خادم تجلبه الامتيازات و تغطيه النياشين سارقة منها إمبراطورية الفكر و لكن لا محالة
تبقي الصحافة الحرة صرخة الحرية تصرع كل ما هو باطل ولا يصرعها باطل أو منحرف.
والعلاقة بين الصحافة و الصحفي كالعلاقة بين الرواية و بطلها فالصحفي هو الذي يجسد رسالة الصحيفة و هو الشرط الجوهري
لتطور الصحيفة الحرة و إنتعاشها. و الصحفي الحق هو من يحترف العمل الصحفي ويتفرغ له بإيمان عال ورغبة لا تنقطع
و بشوق دائم و عمل دؤوب ففيها يجد حريتة و وجوده وكافة أبعاد وجدانه.
و لما كانت الصحافة حرفة شريفة تمس أقدس قضايا المجتمع اليومية و العامة فقد وجب علي الصحفي أن يتمتع بالحصانة الأخلاقية
و بالإستقامة الضرورىة لحماية شرف الكلمة و شرف المهنة وعلي العكس فإن إستغلال العمل الصحفي و العلاقات الصحفية
من أجل الإبتزاز و الانتفاع وتحقيق الأغراض الشخصية أو الإنتقام من الآخرين أو الإساءة إليهم يقضي علي تقاليد ايه صحيفة و يجهض إمكانات التطور الصحفي.
و من الشروط الأساسية التي يجب أن يتحلي بها الصحفي الثقافة العامة التي لها أهميتها كضرورة لا غني عنها لأن الصحافة
مرآة الحياة وان مضامين سائل الإعلام تغطي شتي مجالات الحياة و التعامل مع المواد التحريرية الصحفية
تتطلب الدراية لعناصرها السياسية و الثقافية و الاجتماعية والاقتصادية… الخ
اضافة الي عنصر الموهبة و الاستعداد الدائم لدخول عالم المعرفة و الإطلاع فالمعرفة هي رأسمال الصحفي و المصدر الأساسي
لطاقاته المتجددة وكلما نضبت معرفة الصحفي تقلصت حدود ممارسته و إزدادت فقرا.
كما وأن التجربة العملية هي خير محرك فعال و مؤشر قوي لإمداد الصحفي بالمعارف الضرورية و معرفة الصحفي بتاريخ الصحافة
و اطلاعه علي التجارب الصحفية و الانبائية في العالم والإفادة من تلك التجارب بعقل نقدي مقارن والمعرفة بالموضوعات و الأساليب
التي تجعل الصحفي قادرا علي تقديم موضوع جاد يهم القارئ العادي و القارئ الاجتماعي
و الصحفي الناجح يحتاج الي القراءة و المطالعة المستمرة وفي كافة المجالات الأدبية و الثقافية وقوة قلمه تأتي من المطالعة
المنهجية فالقراءة هي الوجه الآخر للكتابة وهي التي تعطي الكتابة ذاتها و محتواها وهي التي تساهم في تنميتها و ترقيتها وفي
جعلها تحقق مبررات وجودها الاجتماعي و الإنساني. فما جدوي الكتابة من غير القراءة التي تفسح المجال للعقول كي تتحاور
و للأفكار أن تتلاقح وبذلك فقط يمكن للكتابة أن تكتسب معناها وان تحقق أهدافها و غاياتها واذكر هنا قول الصحفي الكبير
مصطفي امين (اكتب كما اتنفس ولا أتوقف عن الكتابة الا اذا وضعت يدي علي فمي وكتمت انفاسي).
ومن هذا كله يتضح بجلاء
أن الصحفي الحقيقي هو المؤسس الحقيقي لإمبراطورية الصحافة الخالدة.