لم يكن قرار إقالة الأنبا دميانوس، كبير كهنة دير سانت كاترين، مفاجئًا بقدر ما كان ضرورة ملحّة. فهذا الرجل، الذي حمل يومًا الجنسية المصرية تقديرا له ولجمهورية اليونان من الرئيس أنور السادات، ردّ الجميل بالإساءة لا بالكلمة فقط، بل بالفعل المشين الذي لطخ صورة الدير المقدس والكنيسة ، بل وجرّ وراءه أزمات سياسية ودبلوماسية بين مصر واليونان.
دميانوس، الذي تصرف لسنوات كأنه فوق القانون وفوق الكنيسة، لم يتردد في إذلال الكهنة التابعين له وإهانتهم، ولا في المتاجرة بتراث الكنيسة العريق وبيعه لجامعة كاليفورنيا عبر أتباعه ومواليه ؛ تراث آلاف السنين تحوّل بين يديه إلى صفقة تجارية رخيصة ، وكأن الدير ملك خاص ورثه عن أجداده … !!! وكان مجمع رهبان دير سانت كاترين قد أصدر بيانا تفصيليا أوضح فيه أسباب العزل وجاء فيه :
إن اخوية دير القديسة ” كاترين ” بصفتها الجهة المخولة والسلطة العليا لإدارة الدير قد أجتمعت فى المجمع المنعقد من يوم ٢٧ وحتى يوم ٣٠ يوليو وقررت عزل الأنبا ” ديمانوس ” وهذا بناء على التصرفات الآتية :
اولا : لم يكن موجودا بالدير بصفه دائمة بل كان دائم التنقل ويقيم بصفة شبه دائمة بأثينا ؛ ولم يتواجد في الدير منذ سنة ٢٠١٨ وحتى تاريخه سوى شهرين فقط .
ثانيا : عطل فعليا السلطة العليا للأخوية السيناوية بعدم دعوته إياها إلى أى مجمع كما تنص اللوائح واستحوذ منفردا على قرارات عزل وتعيين المسؤولين والأداريين والرهبان مخالفا بذلك اللوائح والقوانين .
ثالثا : منذ سنوات أستقدم إلى شقته في أثينا سيدة تدعى ايكاترينى ” كاترين ” سبيروبولو ؛ فى مخالفة صريحة لقوانين وتعاليم المجامع المسكونية ؛ وكانت ترافقه في جميع تحركاته وتتخذ قرارات خاصة بالدير ويقوم هو بالتصديق على تلك القرارات ؛ وقد تسلمت وزارة الخارجية اليونانية مذكرة بتلك العلاقة الفاضحة وظهرت مؤخرا للعلن .
رابعا : سلسلة من ألأختلاسات المالية المتتالية من إيجارات وتبرعات خاصة بالدير والتى كان يحولها بطريقة غير شرعية للخارج بينما بستجدى الكهنة والرهبان الإحسان علما بأن المصروفات الشخصية له بلغت ٦٢.٨٩٣ الف يورو .
خامسا : بيع ممتلكات الدير دون الرجوع إلى مجمع رهبان الدير ؛ على سبيل المثال بيع عقار بشارع ” كيفيسياس ” ١٠٨ بأثينا ؛ مساحة ٦٣ متر بمبلغ ٧٥ الف يورو ؛ كما تم بيع مخزن ارضى بمساحة ٢٤٥ متر فى شارع المتحف الأثرى ٤٢ ” بتسالونيكى ” مقابل ٤١ الف يورو .
سادسا : أبرم من تلقاء نفسه صفقات مشبوهة تم خلالها بيع رقمنة التراث الفكرى ومخطوطات الدير والتنازل عن معظمها إلى جامعة كاليفورنيا ؛ عبر نجل السيدة سالفة الذكر ؛ وعند أعتراض بعض الأساقفة قام بعزلهم بحجة انعدام الكفاءة .
سابعا : تواطأ بشتى الطرق مع مسؤولين حكوميين فى أثينا لتمرير قانون يخص شخصية أعتبارية عامة في اليونان ؛ من دون أى علم أو موافقة من الأخوية ؛ بل تضمن القانون المنشور في الجريدة الرسمية نظاما داخليا جديدا للدير ؛ مغايرا بذلك اللوائح الأساسية النافذة للدير ؛ ومن دون علم أو موافقة الأخوية ؛ فصار يظهر كقانون للدولة اليونانية وهو ما يشكل خيانة عظمى من رئيس الأساقفة تجاه الدير .
ثامنا : قام رئيس الأساقفة برفقة المرأة المذكورة وبصحبة مجموعة من البلطجية والمأجوريين بأقتحام الدير مساء ٢٦ من الشهر الماضي وطردوا بالقوة الآباء السينائيين واستقروا فيه فالغوا بذلك الشرعية النظامية والكنسية فى سيناء .
مما سبق فقد اتخذ المجمع قرار بعزله .
الأخطر من ذلك أن ديمانوس لم يكتفِ بجرح صورة الكنيسة داخليًا ، بل حاول أن يلعب دورًا سياسيًا أكبر منه، فكان سببًا مباشرًا في توتر العلاقات بين مصر واليونان مؤخرًا، بعدما نصّب نفسه ناطقًا باسم الكنيسة اليونانية، بينما لم يكن سوى رجل يبحث عن سلطة ونفوذ على حساب مصر وهيبتها.
ولعلّ المشهد الأكثر فضيحة هو لجوءه إلى حشد البلطجية داخل الدير، في انتهاك صارخ لقدسية المكان، قبل أن تتدخل الدولة المصرية بحسم وتطرد تلك العصابات دون التعدى على حرمة الدير ، لتعيد حرمة الدير وسكينته، ولتؤكد أن أرض مصر لا مكان فيها لمرتزقة يختبئون خلف عمامة دينية.
إقالة ديمانوس ليست مجرد قرار، بل هي محاكمة تاريخية لرجل خان الكنيسة وباع تراثها، وأساء للكهنة، وللوطن الذي احتضنه ومنحه جنسيته. لقد سقط ديمانوس سقوطًا مدويًا، وبقي الدير شامخًا، مصونًا بإرادة الدولة وبعين التاريخ التي لا ترحم الخونة .