منذ فترة، وفي هذا المكان، كتبت مقالة بعنوان متى سينتهي كابوس لبنان؟ وعرضت الموقف الذي فيه لبنان، خاصة أن المشكلة الطائفية به من أخطر المشاكل التي تهدده، حيث يبلغ عدد المسلمين في لبنان 60%، وهم من الشيعة والسنة، والدروز، والإسماعيليين، والعلويين، بينما تبلغ نسبة المسيحيين 29% من الموارنة، والكاثوليك، والروم الأرثوذكس، والسريان، وأيضًا البروتستانت، مع وجود أقليات دينية مثل اليهودية والهندوسية مع وجود اقليات.
وفجأة تطورت الأوضاع في لبنان هذه الأيام، حيث برزت من جديد مشكلة حزب الله الذي يُعَدّ جزءًا من المنظومة الإيرانية، حيث كان يشكّل حركة سياسية ودينية بارزة لها تمثيل في البرلمان اللبناني.ومع مرور الوقت، تمكن هذا الحزب من فرض سيطرته على البرلمان اللبناني إلى درجة أنه حال دون انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، لمدة سنتين كاملتين.وهكذا، وجد لبنان نفسه يُدار طوال هذه المدة برئيس وزراء لتسيير الأعمال، دون وجود رئيس منتخب للجمهورية.
ومع بدء حرب غزة، قامت إسرائيل بتوجيه ضربات موجعة إلى حزب الله، واستهدفت البنية الأساسية التحتية، كما قامت بعملية عُرفت بعملية البيجر التي استطاعت فيها إسرائيل اغتيال أكثر من 300 عضو بارز في منظومة حزب الله، وتبعتها اغتيال حسن نصر الله، الزعيم الروحي والقيادي في حزب الله. الأمر الذي أدى إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان، جوزيف عون، وتشكيل مجلس الوزراء بعد تعطل دام أكثر من سنتين.
ومن هذا المنطلق وافقت الحكومة اللبنانية في 7 أغسطس على أهداف المسودة في الورقة الأمريكية لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر الماضي بين لبنان وإسرائيل. حيث تضمنت الورقة التي قدمها المبعوث الأمريكي “توم براك” للحكومة اللبنانية 11 هدفًا، منها الانتهاء التدريجي من الوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيهم حزب الله، في كافة الأراضي اللبنانية، مع تقديم الدعم للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلية.
كذلك شملت الورقة نشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية، إضافة إلى انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس في جنوب لبنان، وتسوية قضايا الحدود من خلال مفاوضات غير مباشرة.
وهنا اشتعلت الدنيا؛ حيث أعلن الأمين العام لحزب الله اللبناني، نعيم قاسم، أن الجماعة لن تسلّم سلاحها، وأن الحزب سيقود معركة إن لزم الأمر، مهددًا بأنه “لن تكون هناك حياة في لبنان إذا واجهت الحكومة حزب الله” ودعا إلى إزالة هذه الفكرة من القاموس وأكد أن المشكلة ليست سلاح المقاومة، بل هي طرد الاحتلال الإسرائيلي.
وتعقدت المشكلة أكثر بعد رفض حزب الله نزع السلاح وخاصة بعد أن كلّفت الحكومة اللبنانية الجيش بوضع خطة لحصر السلاح، على أن ينتهي إعدادها بحلول نهاية أغسطس.
ثم جاء سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، حيث تم إخراج إيران من السيطرة على سوريا، وانقطعت خطوط الإمداد الإيرانية إلى لبنان، التي كانت تمر على سوريا كذلك ما زالت إسرائيل تقوم من آنٍ لآخر بمهاجمة عناصر حزب الله في لبنان، خاصة مخازن تشوينات الذخائر والمعدات، ولكن ما زالت لبنان عاجزة عن الرد أو التصدي لضربات إسرائيل داخل حدود الأرض اللبنانية.
والوضع حاليًا في لبنان يسير من سيء إلى أسوأ. فلم يعد يقتصر الأمر على طلب إسرائيل عودة حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني فقط، بل طالبت أيضًا بسحب سلاحه بالكامل، وأوكلت هذه المهمة إلى الجيش اللبناني. كذلك، أصدر رئيس الحكومة أوامره للجيش اللبناني بنزع سلاح أفراد المخيمات. وهذا بالطبع أمر صعب التنفيذ، خاصةً أن جميع هؤلاء الأفراد هم من الفلسطينيين الموجودين في لبنان.
كل هذه الأمور تشكّل صعوبة كبيرة أمام السلطة اللبنانية، حاليا حيث إن الجيش اللبناني غير قادر على تنفيذ ذلك. ولهذا، تستغل إسرائيل كل يوم الفرصة لمهاجمة جنوب بيروت.
وعلى الجانب الاخر ظهرت إيران على السطح حيث جاءت زيارة أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي أكبر لاريجاني، إلى بيروت في محاولة لفك عقدة الأزمة، والسير على خيطٍ رفيع يمسك العصا من المنتصف. حيث أكد أن إيران تدعم لبنان في سياسته الداخلية، لكنها في الوقت نفسه ترفض الوصاية الأمريكية على لبنان.
كما أراد أن يوجه رسالة إلى الداخل اللبناني بأن إقصاء أي طرف يُعد مهمة غير مقبولة بالنسبة لإيران وهو بالتالي يقصد اقصاء حزب الله. ومع ذلك، يظل من الواضح أن العلاقات بين إيران ولبنان سوف تتباعد أكثر في الفترة القادمة، خاصة أن إيران ما زالت مستمرة في دعم حزب الله، مع محاولة تجنب أي تورط مباشر مع الحكومة اللبنانية.
وتأمل لبنان حاليًا أن تقوم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بمساعدة الجيش اللبناني، من خلال تقديم الدعم العسكري اللازم، وكذلك توفير برامج لتدريب عناصر الجيش، ليكون قادرًا على التصدي لأي تصعيد محتمل قد يقود إلى حرب أهلية، وذلك بهدف نزع السلاح من جميع الأطراف إذا تطور الأمر وهذا ما أكده دائمًا رئيس الدولة اللبنانية.
لذلك، فإن الجميع في لبنان يعيش على أمل أن تهدأ الأمور، خاصة في ظل سيطرة الجيش اللبناني في المنطقة، وامل دعم دول أوروبا حاليًا لبنان والجيش اللبناني لعودة الاستقرار مرة اخرى، والعمل على إعادة تعمير البلاد، لكي تعود لبنان كما كانت من قبل… سويسرا الشرق.