إنها *الحرب العالمية القادمة* التى لو قامت، فلن تقوم للعالم بعدها قائمة، لأنها ستكون «حرباً نووية». كلمة مفردة لن تقبل الجمع، عن حرب « *وحيدة* » *لا تتكرر فيها الأحداث، «أخيرة»* لا مجال فيها للتعلم من أخطاء الماضى، يتوقف بها سير الزمن، لا يربح فيها أحد،
« *الحرب النووية* » كان عنوان أحدث كتاب للصحفية الأمريكية البارزة «آنى جاكوبسون» المرشحة للحصول على جائزة « *بوليتزر* »، أعلى الجوائز الدولية فى مجال الصحافة الجادة.
ذهبت فيه حيث لا يجرؤ الآخرون على الاقتراب، لترسم للجميع سيناريو يكاد يكون *واقعياً* لما يمكن أن يحدث خلال الحرب النووية. *سيناريو يقوم على المعلومات والوقائع* ، وإن دارت أحداثه المتخيَّلة بين أروقة القيادة الدفاعية الأمريكية *والبيت الأبيض* و« *الكرملين* » فى روسيا، فى مشاهد تُظهر تخبط أصحاب القرار العالمى ساعة الجد،
ومشاهد مفزعة أخرى تصف كل ما يمكن أن يحدث فعلاً للمكان والبشر خلال الهجوم النووى.
أرادت « *جاكوبسون* » أن يكون كتابها مرتكزاً على الحقائق لا على الأوهام، فعقدت لقاءات مع وزراء دفاع سابقين، ومسئولين فى مراكز قيادية فى الجيش الأمريكى وأجهزة المخابرات والأمن الرئاسى فى البيت الأبيض. لم تكتبه بمنطق أفلام « *هوليوود* » التى تتخيل كارثة نووية لا يقدر على إيقافها إلا بطل الفيلم، بل أرادت أن تثبت بالأدلة القاطعة أن الطريق الذى يسير فيه العالم الآن فيما يتعلق *بالتسليح النووى،* لا يمكن أن يوجد فيه رابح ولا «بطل».
فى *السيناريو* الذى رسمه الكتاب الأمريكى للحرب النووية *الوحيدة والأخيرة* ، لا تستغرق نهاية العالم أكثر من 72 دقيقة، تنتهى فيها الحياة فى نصف الكرة الأرضية الشمالى، بينما يتآكل ما يتبقى من سكان الأرض فى خراب مؤلم *وموت بطىء* .
*وحول تفاصيل هذه الدقائق الأخيرة للعالم تدور أحداث هذا الكتاب.*
فى الأسابيع الأخيرة، عادت رائحة التوتر النووى تفوح من التراشق الكلامى بين الكبار فى الولايات المتحدة وروسيا.
الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أعلن أنه «سوف يعيد نشر *غواصتين نوويتين* من الغواصات الأمريكية فى المناطق المناسبة» رداً على كلام لم يعجبه من الرئيس الروسى السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسى الحالى «ديميترى ميدفيديف». وأضاف « *ترامب* »، فى تصريحه على منصة « *تروث سوشيال* »: «لقد أصدرت قرارى بوضع غواصتين نوويتين فى المناطق الملائمة تحسباً لأن تكون هذه التصريحات المستفزة والحمقاء *(أى تصريحات «ميدفيديف»)* لا تقتصر على كونها مجرد تصريحات. إن الكلمات مهمة للغاية، ويمكن لها أن تؤدى لتداعيات غير مقصودة. أرجو ألا تكون هذه واحدة من تلك الحالات».
ليس « *ترامب* » وحده من يتمنى ذلك، لكن العالم كله يتمنى معه ألا تخرج الأمور عن السيطرة وسط ذلك التراشق والتلاسن والتلاعب المحطم للأعصاب بين اثنتين من القوى *النووية العالمية* العظمى، اللتين تملك كل واحدة منهما القدرة على تدمير الأخرى، وتدمير العالم كله من ورائها، لو انفلتت الأمور إلى حد إشعال حرب نووية بين الجانبين.
« *ميدفيديف* » أطلق تصريحاته ضد «ترامب» على خلفية التوتر الناجم عن تأخر حل الصراع الروسى الأوكرانى، بعد أن أعطى الرئيس الأمريكى «مهلة» للرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» لإنهاء الحرب مع *أوكرانيا* ، وإلا فإنه سوف يفرض عقوبات جديدة على روسيا. لم يظهر « *بوتين* » فى الصورة ليرد على «ترامب»، لكنه ترك نائبه السابق « *ميدفيديف* » يمارس هوايته فى إطلاق التصريحات النارية ضد زعماء الغرب، ويوصل رسالة للولايات المتحدة عبر حسابه على منصة «إكس» قائلاً: «إذا كان « *ترامب* » يلعب لعبة توجيه الإنذارات النهائية إلى روسيا، فعليه أن يتذكر أمرين: الأول هو *أن روسيا ليست إسرائيل أو حتى إيران،* والثانى هو أن أى إنذار يُطلقه يساوى تهديداً وخطوة فى اتجاه إشعال الحرب، لا بين روسيا وأوكرانيا، ولكن مع بلاده (أى الولايات المتحدة) نفسها».
وبالطبع، ولأن « *ترامب* » بدوره هو خصم لا يستهان به فى لعبة *التصريحات النارية* ، هاجم الرئيس الأمريكى « *ميدفيديف* » الذى وصفه بأنه «الرئيس السابق الفاشل لروسيا»، قائلاً عن تصريحاته: «إنه لا بد عليه أن يراقب ما يقول، لأنه يدخل إلى منطقة شديدة الخطورة».
لكن « *ترامب* »، بقراره بإعادة وضع الغواصات الأمريكية النووية فى «المناطق الملائمة» (أى باختصار روسيا كما رأى المراقبون) نقل الأمور من مرحلة *التراشق اللفظى* إلى مرحلة التحركات الفعلية على الأرض. من أيَّدوا تصريحاته وتحركاته رأوا أن الرئيس الأمريكى قد قرر أخيراً أن يلعب نفس لعبة *الرئيس الروسى* ، التى لا تتردد فى التلويح بالخيار النووى فى حالة عدم الاستجابة لمطالبها أو لضغوطها فى الأزمات الدولية، وأن قراره الخاص بنشر *الغواصات النووية* الأمريكية يختلف اختلافاً جذرياً عن النبرة المطمئنة التى كان يتحدث بها فى الأسابيع الماضية، وهو يقول إنه حريص على إيجاد طريقة لإبقاء الحدود والقيود المفروضة على استخدام الولايات المتحدة وروسيا لأسلحتهما *النووية* بعيدة المدى فى الوقت الذى شارفت فيه معاهدة «ستارت» الجديدة الخاصة باستخدام *الأسلحة النووية* بين «واشنطن» و«موسكو» على الانتهاء فى فبراير المقبل.
هذا إذن وقت يجلس فيه العالم على أعصابه بانتظار تجديد بنود هذه *المعاهدة المصيرية* بين القوتين الكبيرتين، ويطالب فيه أنصار الحد من انتشار الأسلحة النووية كلاً من الولايات المتحدة وروسيا بمزيد من المفاوضات الجادة لتحجيم إمكانية لجوء البلدين لاستخدام *الأسلحة النووية* ، ومنع أن يؤدى أى احتكاك أو توتر بينهما إلى صدام لا تُحمد عقباه بين *الترسانة النووية الأمريكية* ونظيرتها الروسية، التى يعرف الكل أنها لو انفتحت بمقدار شعرة، *فستنفتح معها أبواب الجحيم على العالم بأكمله.*
ووفقاً للتقديرات الأمريكية التى أوردتها « *جاكوبسون* » فإن الغواصات النووية الروسية لو اقتربت من السواحل الأمريكية لن تحتاج لأكثر من *سبع دقائق* منذ اللحظة التى تطلق فيها صواريخها النووية وحتى لحظة بلوغ تلك الصواريخ لأهدافها.