في واحدة من أبرز تجليات التهميش الذي يتعرض له أصحاب رسالة التعليم، خرج سيادتكم بتصريح يُعدّ مسيئًا لمعلمي مصر، أولئك الذين ينهضون كل صباح محملين بأعباء مضاعفة، وضميرٍ حيّ، وإصرارٍ على أداء رسالتهم رغم ما يحيطهم من ظروف صعبة. لقد وصفتم، مع الأسف، وجود المعلمين داخل المدارس بأنه مجرد “شاي وبسكويت”، وهي عبارة لا تليق بمقام التعليم ولا بمكانة من علمونا الحرف الأول. إن الحضور اليومي للمعلم ليس رفاهية، بل التزامٌ نابع من ضمير، وممارسةٌ يومية لصناعة المستقبل في فصولٍ تفتقر أحيانًا لأبسط الإمكانيات. المعلمون ليسوا أرقامًا في كشوف الحضور والانصراف، ولا رواتب تُصرف بلا مقابل؛ بل هم بناة العقول، ومنارات التنوير في مجتمعٍ يئنّ تحت وطأة التراجع القيمي والمعرفي. والإساءة إليهم، أيًا كانت المبررات، هي إساءة لتاريخ هذا الوطن، ولأيامٍ وقفتم فيها أنتم أنفسكم تلاميذ أمام من غرسوا فيكم المعرفة. وإن كنا لا ننكر وجود بعض أوجه القصور في الميدان، فإن الحل لا يكون أبدًا في التهكّم أو التعميم، بل في توفير بيئة عمل لائقة، وأجور عادلة، وتدريب مهني حقيقي، وتقدير يرتقي إلى حجم المسؤولية. أما الصورة التي تداولها البعض—لعدد من المعلمين داخل معمل كمبيوتر يتناولون شايًا—فلا تصلح أبدًا أن تُستخدم حجة للنيل من كرامة المعلم أو التقليل من شأنه. فالسخرية لا تُصلح التعليم، ولا تُبني الأوطان. إننا اليوم بحاجة إلى قادة يفهمون أن كرامة المعلم ليست ترفًا، بل أساس لأي إصلاح تعليمي حقيقي. وإن وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين مطالبتان الآن، أكثر من أي وقت مضى، باتخاذ موقف واضح يعيد الاعتبار للمعلمين، ويطالب باعتذار رسمي من سيادتكم. نذكّر الجميع أن من علمكم يومًا هو من علمنا، ومن لم يحترم المعلم اليوم، لن يُحترم غدًا. مع خالص التحية والتقدير، نجوى نصر الدين