تخيل أن من لطخت أيديهم بدماء الآلاف من المدنيين هم من يشرحون لنيل جائزة نوبل للسلام ؟؟
وفقًا لوصية ألفريد نوبل، فإن الجائزة التى تُمنح باسمه للسلام هى للأفراد أو المنظمات التى تساهم فى تعزيز أواصر الإخاء بين الأمم وتقليل النزاعات والتسلح.
للوهلة الأولى تبدو الجملة منطبقة على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فهو الذى يسعى فعليًا لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك كانت مساهماته كبيرة فى إيقاف الحرب الإسرائيلية الإيرانية، فضلًا على رسائله (المعلنة فقط) لإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية على غزة!
الترشيح -للجائزة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى الملطخة يداه بدماء أكثر من ٥٠ ألف شهيد من غزة. الرجل الذى ساهم فى إبادة وتشريد نحو مليون ونصف شخص. الرجل الذى ساهم بآلته الحربية أن يجعل من مستشفيات غزة أهدافًا للقصف، وأن تكون تجمعات المدنيين المنتظرين للمساعدات الإنسانية، هى الأخرى أهدافًا لرصاصات جيشه.
المفارقة هنا صارخة فى رمزيتها، تخيلوا هذا الرجل هو الذى يرشح ترامب لجائزة نوبل للسلام، وهذا غير مقبول إلا على سبيل العبث السياسى، أو الاستخدام الساخر لرمزية الجائزة، التى يبدو أنها فى عصرنا صارت أداة علاقات عامة أكثر منها تكريمًا فعليًا للسلام. إذا عدنا إلى جوهر جائزة نوبل للسلام، إلى وصية ألفريد نوبل ذاتها، سنجد أن التاريخ سجل أسماءً استحقت التكريم بها. أشخاص ومنظمات خاضوا معارك من نوع آخر، معارك ضد الكراهية، ضد الجهل، ضد الاضطهاد. حاربوا ليصنعوا أملًا لا دمارًا.
الرئيس الراحل أنور السادات، على سبيل المثال، نال الجائزة فى ١٩٧٨ وذلك بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد التى كانت بداية أول معاهدة سلام فى الشرق الأوسط. نيلسون مانديلا، على سبيل المثال، نال الجائزة عام ١٩٩٣ إلى جانب رئيس جنوب إفريقيا فريدريك دى كليرك، تكريمًا لجهودهما فى إنهاء نظام الفصل العنصرى فى البلاد وبناء أسس ديمقراطية شاملة. وحتى على مستوى المنظمات، نالت منظمة أطباء بلا حدود الجائزة عام ١٩٩٩، عن عملها فى تقديم المساعدة الطبية فى مناطق الصراع حول العالم، غير عابئةٍ بالسياسة أو الهويات، بل بكرامة الإنسان أولًا.
أظن أن ترامب ذاته يريد منح الجائزة لنفسه، ليس لأنه حقق ما حققه السادات أو مانديلا أو حتى ملالا يوسفزاى، الفتاة الباكستانية التى تحولت إلى رمز عالمى للنضال من أجل التعليم، لكنه يريد منها تحقيق شغفه بالظهور الدائم على ساحة الأحداث،
هو يريد أن يظهر فى صفقة سياسية شكلية فى الشرق الأوسط. فالسلام، فى قاموس ترامب، هو صفقة إعلامية أكثر منه التزامًا أخلاقيًا. بينما فى وصية نوبل، السلام هو جهد صامت، طويل الأمد، محفوف بالمخاطر، يغيّر حياة الناس ويصون الكرامة البشرية.
أليس من المفارقة أيضًا أن الرجل الذى صعد إلى البيت الأبيض على خطاب التقسيم ونبذ المكسيكيين والعرب والصينيين، يصبح لاحقًا مرشحًا لجائزة نُظمت لتكريم من «قلّص الجيوش، ووحّد الشعوب»؟.