كتبت نجوى نصر الدين إلى الذين فاتهم لذّة الامتزاج الذين لم يتذوّقوا متعة الامتزاج الروحيّ الوجدانيّ العميق، والانسجام النفسيّ الذي ينطوي عليه الحُبّ المتبادل؛ فقد فاتهم أمتع شيء أعدّته الحياة للإنسان. إنه الحُب، لا في صخبه ولا في صورته النمطية، بل في صمته العميق. .. في لحظة ينظر فيها قلب إلى قلب، دون حاجة إلى شرح أو ترجمة. في ذلك التوحد الخفيّ حين يشعر الطرفان أنّ العالم بأسره يصغر، بينما يتّسع ما بينهما حتى يغدو كونًا كاملًا من المعاني. الحُب المتبادل لا يُمنَح للجميع، إنه الامتياز الذي لا يُمنح إلا لمن تهيّأت أرواحهم للذوبان في الآخر، لمن عرفوا أن الحب ليس أخذًا، بل ذوبانًا في العطاء. أولئك الذين عاشوا هذا الشعور – مرة واحدة فقط – يدركون أنهم عبروا ضفةً من الحياة لا تُنسى، وأنّ ما تبقّى من أيامهم لا يمكن أن يُقاس إلا بمقياس تلك اللحظة التي اختلطت فيها دقّات قلبهم مع دقّات من يحبون. أمّا الذين لم يعرفوا هذا الامتزاج، فقد مرّوا بالحياة كما يمرُّ طيف على صفحة ماء، دون أن يغرق، دون أن يشعر بالعمق، دون أن يتلوّن بالدهشة.
هؤلاء – وإن تزينت حياتهم بالمظاهر – فاتهم السرّ الذي من أجله خلق الشعر، وبُنيت الموسيقى، وخُطّت الرسائل، واشتعلت السماء بالحنين. فاتهم ذلك الدفء الذي يجعل الوجود أقلَّ قسوة، وأكثر إنسانية.
ولعلّ في داخل كلّ واحدٍ منهم حنينٌ خفيّ، حنينٌ لا يعرف مصدره، لأنّه حنينٌ إلى شيء لم يعشه… لكنه كان يستحقّه. للمقال بقية تحياتي نجوى نصر الدين