في إطار الاحتفال بذكرى دخول العائلة المقدسة إلى أرض مصر، نظمت مطرانية الأقباط الأرثوذكس بدشنا، بالتعاون مع جمعية أنا مصري للتنمية والتدريب بقنا، ندوة تثقيفية بمناسبة هذا الحدث التاريخي والديني، الذي تحرص الكنيسة المصرية على إحيائه سنويًا في الأول من يونيو.
أُقيمت الندوة تحت رعاية نيافة الأنبا تكلا، مطران دشنا وتوابعها، وجاءت بعنوان: “رحلة العائلة المقدسة إلى مصر”، حيث استعرض المتحدثون أهمية هذه الرحلة التي استمرت قرابة ثلاث سنوات ونصف، وقطعت خلالها العائلة المقدسة ما يقارب 3500 كيلومتر مربع من الأراضي المصرية، بدءًا من رفح والعريش في سيناء، مرورًا بعدة مدن ومحافظات، وصولًا إلى دير المحرق بمحافظة أسيوط، لتكون مصر البلد الوحيد الذي زارته العائلة خارج فلسطين.
وقد أدار الندوة الدكتور أحمد سعد جريو، عضو لجنة التراث الثقافي غير المادي بالمجلس الأعلى للثقافة، مؤكدًا أن رحلة العائلة المقدسة ليست مجرد حدث ديني، بل تمثل قصة سلام ومحبة ووحدة، وتشهد على دور مصر التاريخي في احتضان المظلومين، وعلى قدرتها المستمرة في توحيد أبنائها رغم التحديات.
وفي كلمتها، قالت النائبة نجلاء باخوم، عضو مجلس النواب ورئيس مجلس إدارة جمعية أنا مصري، إن الاحتفال بهذه الذكرى ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو تجسيد حقيقي لقيمة مصر الحضارية والتاريخية والروحية، التي استوعبت عبر العصور مختلف الأديان والثقافات، وأضافت أن هذه المناسبة تعكس قوة النسيج الوطني المتماسك بين المسلمين والمسيحيين، داعية إلى مواصلة التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية لغرس قيم الانتماء والمحبة في نفوس الأجيال الجديدة.
وأكدت “باخوم” أن مسار العائلة المقدسة يمثل ثروة قومية وروحية يجب استثمارها في تنشيط السياحة الدينية وتعزيز الهوية الوطنية المصرية.
من جهتها، شددت الدكتورة هدى السعدي، مقرر فرع المجلس القومي للمرأة بقنا، على أن احتضان مصر للعائلة المقدسة يُعد تكريمًا إلهيًا للمرأة المصرية، مشيرة إلى أن السيدة العذراء كانت رمزًا للمرأة المؤمنة القوية التي واجهت التحديات بصبر وإيمان. وأضافت أن المرأة المصرية، على مر العصور، كان لها دور محوري في حماية الوطن ونقل القيم النبيلة، تمامًا كما فعلت العذراء مريم، مؤكدة على أهمية دور المرأة اليوم في تعزيز ثقافة السلام والوحدة الوطنية.
وأكد الدكتور كرم عبد الستار، أستاذ علوم القرآن ورئيس العلاقات الخارجية والتواصل بجامعة الأزهر فرع قنا، أن الرحلة لم تكن مجرد هروب من بطش هيرودس، بل كانت رسالة سماوية محمّلة بالسلام لمصر، التي باركها الله في كتابه العزيز، وذكرتها الأديان السماوية كافة. وأوضح أن إحياء هذه الذكرى يمثل تجسيدًا حيًا للوحدة الوطنية وعمق العلاقات الأخوية بين أبناء الوطن الواحد.
وفي كلمته، قال الشيخ علي عبادي، مدير إدارة أوقاف دشنا، إن مصر كانت وما تزال واحة للأمن والسلام لكل من قصدها طلبًا للنجاة، وإن استقبالها للعائلة المقدسة دليل على مكانتها الرفيعة عند الله. وأكد أن ما يجمع المصريين هو الإيمان والاحترام المتبادل والتاريخ المشترك، مشيدًا بالروح الإيجابية التي تسود مثل هذه الفعاليات، والتي تُرسّخ قيم التسامح والمحبة والانتماء.
كما أشار الأب بولس، وكيل مطرانية دشنا، إلى المحطات المهمة التي مرت بها العائلة المقدسة داخل مصر، مؤكدًا أن تلك المواقع أصبحت مع الزمن مزارات دينية مقدسة وأديرة تاريخية، تُشكل جزءًا مهمًا من التراث الروحي والثقافي المصري. ودعا إلى دعم السياحة الدينية في هذه المواقع، خاصة بعد إدراج مسار العائلة المقدسة ضمن التراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو، ما يمنح مصر تميزًا فريدًا على المستوى الدولي.
وتحدث الدكتور محمد السيد حنفي، إمام وخطيب مسجد التحرير بدشنا، عن مكانة مصر في القرآن الكريم، مشيرًا إلى أنها وردت بالاسم صراحة خمس مرات، وبشكل غير مباشر أكثر من ثلاثين مرة، ما يعكس عمقها الحضاري والروحي. وأضاف أن وجود العائلة المقدسة على أرضها دليل على بركتها، داعيًا إلى تحويل هذه الذكرى إلى مصدر فخر ووحدة بين أبناء الشعب المصري، في وقت تتزايد فيه الحاجة لبناء جسور التفاهم والاحترام.
جدير بالذكر أن الندوة شهدت حضور سعيد حسن، نقيب المعلمين بدشنا ورئيس مجلس الأمناء والآباء بمديرية التربية والتعليم بقنا، وعدد من الشخصيات العامة والقيادات المجتمعية والتعليمية بمركز دشنا، في مشهد عكس روح التآخي والمحبة التي تجمع أبناء الوطن الواحد.