في قلب المشهد العراقي المعاصر، يلمع اسم أحمد محمد أحمد، الشاب الثلاثيني المعروف بلقب “أحمد العماري”، كأحد أبرز رواد الضيافة الذين حملوا على عاتقهم مهمة إعادة تعريف تجربة المقاهي بطابع محلي وروح عالمية. مشروعه “قهوتي”، الذي أطلقه عام 2019، ليس مجرد مقهى، بل هو حالة فنية وإنسانية متكاملة تستحضر دفء البيوت العراقية وتنقله إلى فضاءات الضيافة العامة.
منذ انطلاقته، رسّخ العماري مفهومًا جديدًا لتجربة الزبون، قائمًا على ما هو أبعد من جودة القهوة أو ديكور المكان. فالمقهى الذي يديره بنفسه، هو ترجمة عملية لسنوات من الخبرة في إدارة وتشغيل المطاعم والمقاهي، والتي تجاوزت الثمانية أعوام. هذه الخبرة منحته قدرة فريدة على الجمع بين التفاصيل التشغيلية الدقيقة، من إدارة المخزون واللوجستيات وتدريب الطاقم، وبين خلق بيئة يشعر فيها الزائر وكأنه موضع اهتمام شخصي.
يقول زوار “قهوتي” إنهم لا يأتون فقط لتناول مشروب مميز، بل للانخراط في تجربة تحمل روح العراق. فالتفاصيل الصغيرة في المكان – من الموسيقى المختارة بعناية إلى التحية الحارة التي يستقبل بها الزبائن – تشي بفلسفة واضحة: الضيافة فعل شعور قبل أن تكون مهنة.
ما يميز المشروع أيضًا هو حرص العماري على دعم الموردين المحليين والعرب، واختياره البن والشاي بعناية فائقة، إلى جانب ابتكار قائمة موسمية تتغير تبعًا للمناسبات العراقية والعربية. فلكل مشروب قصة، ولكل طبق خلفية ثقافية تعبّر عن مزاج المرحلة وتذوق الجمهور. ولا تقتصر الإضافة هنا على الطعم، بل تمتد إلى الإحساس والانتماء.
رؤية العماري لا تتوقف عند حدود المقهى الحالي، بل تنطلق نحو فضاءات توسعية مدروسة. فهو يخطط لإطلاق سلسلة فروع تحمل الاسم ذاته “قهوتي”، لكن بروح تحاكي كل منطقة وفق خصوصيتها، مع الحفاظ على جوهر الهوية الأصلية. التحدي بالنسبة له ليس في التوسع الكمي، بل في نقل التجربة الإنسانية بجودتها وحساسيتها، لتبقى علامة “قهوتي” مرادفًا للضيافة الراقية والعاطفية في آن.
وفي حديثه عن المشروع، يؤكد العماري أن “الضيافة الحقيقية لا تبدأ من فنجان القهوة، بل من التواصل الإنساني الذي يرافقه”. ولذلك، يولي أهمية كبرى لتدريب فريق العمل ليس فقط على المهارات التقنية، بل على فن الإصغاء والتعامل بلباقة، لأن الزبون – كما يراه – لا يشتري مشروبًا فقط، بل لحظة يستحق أن تُحترم.
“قهوتي”، إذًا، ليس مجرد اسم على واجهة محل، بل تجربة تحمل روح الإنسان العراقي بكل ما فيها من دفء، وحكاية نجاح كتبت سطورها شغفٌ مهنيٌ، ورؤية إنسانية شابة تعرف كيف تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وإذا كانت المشاريع التجارية تُقاس عادة بالأرباح والانتشار، فإن مشروع أحمد العماري يُقاس بمدى تأثيره في نفوس الناس. فكل من يزور “قهوتي” يخرج منه حاملاً شيئًا من ذكريات الطفولة، وشيئًا من المستقبل الذي يحلم به الجيل الجديد من روّاد الضيافة في العراق.