بابتسامة آسرة ووجه ملائكي رأيتُها للمرة الأولى، بعد أن قرأتُ عنها كثيراً، وكتبتُ عنها غير مرّة، فقلت لها على الفور – بحضور والديها الكريمين – لم أكن أعرف أنك اسمٌ على مُسمّى!… ابتسمت مرة ثانية ابتسامةً زادتها خفراً وحياءً. قصة حسناء السَّلكي تستحق أن تُروى بماء الذهب… هي حكاية كفاح مُمتد منذ سنين، وقصة تحدٍّ يكشف عن عزيمة لا تلين، وبُطولة أسرة كريمة وقفت بجانب ابنتها، مشجعةً ومساندةً، حتى شارف الحلم أن يتحوّلَ إلى يقين.
نبتدي منين الحكاية؟
وُلدت الطفلة حسناء ممدوح السلكي بالقلمينا في أول مارس 1998، والتحقت بالأزهر الشريف، وحتى العاشرة من عمرها كانت فتاة عادية مثل كل الفتيات، لكنّ إرادة الله شاءت أن يختبرها وأسرتها في… بصرها. أكرم الله الطفلة حسناء بوالدة كريمة طافت بها على العديد من الأطباء بين أسيوط والقاهرة، ولم تيأس، وفي النهاية كان لا بُدّ من التسليم بقضاء الله وقدره، فاستسلم الجميع للأمر الواقع. كان تحصيل حسناء الدراسي يعتمد على سماع الدروس من أساتذتها، وقد وجدت كلّ الدعم والتشجيع من أسرتها أثناء دراستها – وخصوصاً والدتها الكريمة، وهي مُعلّمة بالأزهر- فلم يُشعروها يوماً بأنها صاحبة إعاقة. لكنّها في المقابل، كانت تواجه معاناةً كبيرة من المجتمع المحيط، ونظرته السلبيّة لمِثل حالتها. حصلت (صاحبة الإرادة الصّلبة) على المركز الأول فى الصف السادس الابتدائي على المكفوفين على مستوى منطقة قنا الأزهرية، ثم انتقلت الى “الإعدادية”، وحصلت أيضاً على مركز مرتفع في نهايتها، وفي “الثانوية” حصدت المركز الثاني في القسم الأدبي (مكفوفين) على مستوى المنطقة. التحقت الفتاة الـ “حسناء” بكلية الدراسات الاسلامية والعربية بجامعة الأزهر بسوهاج، قسم أصول الدين، فازدادت معاناتُها مع المجتمع ببُعدها عن أسرتها، لكنّ الله عوّضها بدعم كبير تلقّته من مركز “رؤية” لدعم المكفوفين، الذي تلقّت فيه تدريبات متنوعة في الكمبيوتر وتقنيات الموبايل. تخرّجت في الكلية عام 2020، فواصلت – بِهمّةٍ عاليةٍ – التحصيلَ العلمي، كان بإمكان الشابة الـ “حسناء”، أن تكتفي بهذا القدر، بعد التخرّج في الجامعة، وحصولها قي آخر تيرم دراسي (امتحنت فيه على الكمبيوتر) على تقدير امتياز، لكنها واصلت – بشغف لافت – صعود سلّم التحصيل العلمي، فحصلت على الدبلومة العامة في التربية، في الوقت الذي حصلت على تدريبات متنوعة بمجال الكمبيوتر من مراكز مختلفة، كان آخرها تدريب في المونتاج والهندسة الصوتية. وفي عام 2021 دخلت مجال التدريب كمدرّبة كمبيوتر للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، حيث كانت البداية من المكان الذي دعمها وشجعها… مركز “رؤية”. وتقول حسناء: أنشأنا أنا وصديقتي سارة محمود (من سوهاج)، مبادرة “برة الصندوق”، التي استضفنا فيها أطبّاء متخصصين في مجال الصحة النفسية والتربية الخاصة، لتوعية الأهل بكيفية التعامل بشكل صحيح مع أبنائهم عن طريق لقاءات “أونلاين”، بالتعاون مع مركز رؤية للإعاقة البصرية، وسجّلنا سلسلة فيديوهات توعية على “يوتيوب” و”فيسبوك”، حيث تكون متاحة لمن فاتته لقاءات التوعية. وقبل نحو عامين؛ أي عام 2023، تفتّق ذهنها على فكرة أكثر إدهاشا، فأنشأت بمساعدة صديقتها سارة، وأحد الزملاء الآخرين، مركز بصمة للتدريب والتنمية، الذي يُعنى بتقديم تدريبات الكمبيوتر، واللغات (إنجليزي وفرنسي)، ولغات الإشارة، وتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية، ويصل عدد المتدربين فيه حاليا – ما شاء الله – إلى 800 متدرب، غالبيتهم من بنات الصعيد، وتسعى من خلاله للوصول إلى أكبر عدد من المستفيدين. وتجاهد (الأستاذة) حسناء مع صديقتها سارة حاليا من أجل اتخاذ الإجراءات الرسمية لمقر مركز بصمة، وقد يكون في سوهاج. المدهش أن الموهوبة حسناء – فوق كل ذلك – تهوى قراءة الشعر، وخصوصاً العامّي، بل ولها فيه بعض محاولات، ولها بوستات هادفة على “فيسبوك”، تنمّ عن فكر راقٍ متفتح. *** ولأنها أصيلة، فإنها تذكر بكلّ خير وعرفان دعم، زوج خالتها العمدة صلاح – يرحمه الله – وتشجيعه لها، وسؤاله الدائم عنها. كما تشعر بامتنان بالغ لتكريم العمدة محمود صلاح لها قبل أشهر؛ من ضمن النابغين على مستوى قريتنا الطيبة، وتشكر كثيراً جميع أقاربها وأساتذتها بمختلف المراحل، على دعمهم وتشجيعهم ووقوفهم بجانبها. ولا تنسى أبداً من وقفوا معها أثناء دراستها بالكلية، فتذكر بكل عرفان وتقدير د. شورة عبدالمبدي، والشيخ محمد حمدان، وتشكرهما على دعمهما ومعاونتهما خلال فترة الدراسة، كما تشكر كثيرا الأستاذ سامح سعد، (مدير مركز رؤية لذوي الإعاقة البصرية)، الذي وقف إلى جانبها، معينا وناصحاً وداعماً، وتقول إن له كثيراً من الفضل فيما حققته من نجاحات…. هي إذن قصة “كوكتيل” من الكفاح والمثابرة والصبر والتحدي والعزيمة والإصرار، بطلتها فتاة القلمينا الـ “حسناء”، نسأل الله أن يعينها ويساعدها، وينفع بها، ويُنير بصيرتها أكثر وأكثر، ويحقق لها كل المُنى.