واقع ما يحدث الآن على الساحة فى المنطقة يقول: “فلسطين لأهلها وللغاصب الحجر” قياسا على الحديث الشريف: “الولد للفراش وللعاهر الحجر”.. فشعب الجبارين الذى عاد (مبتهجا) إلى أطلال ديار يعلم يقينا أنها مدمرة لا يمكن لأحد أن يتصور أن يرحل عن أرضه إلى أى أرض حتى ولو كانت أرض أشقائه الذين يفتحون له صدورهم قبل بيوتهم ويشاطرونه الآلام ويدعمونه بكل السبل لإقامة دولته وانتزاع حريته ورفض تهجيره وتصفية قضيته العادلة. “أصحاب الأرض أولى بالبقاء وعلى اللقطاء أن يرحلوا”.. هذا هو منطق الأشياء، وليس تهجير أصحاب الأرض لإفساحها لدخلاء جاءوا من أصقاع الدنيا!.. لذلك كان الأحرى بالرئيس الأمريكي ترامب أن يقترح ترحيل الإسرائيليين إلى الدول التى جاءوا منها بدلا من تهجير أهل غزة الذين تمتد جذورهم فى الأرض لآلاف السنين، أو دعم حل الدولتين ومنح الفلسطينيين دولتهم المستحقة بعد عقود من المعاناة والكفاح..وهو ما تدعمه الدولة المصرية وكل حر شريف في العالم. لقد أثبتت الحشود المصرية التى توافدت كالطوفان على معبر رفح منذ أيام للتعبير عن رفض تهجير الفلسطينيين وعيًا فطريًا بخطورة ما طرحه الرئيس الأمريكى على الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط.. كما أثبتت أن الشعب المصرى يقف خلف قيادته رافضا تصفية القضية الفلسطينية وفرض سياسة الأمر الواقع التى يسعى إليها نتنياهو والذين معه.. وفى المقابل يكشف طرح ترامب عن وجه أمريكا القبيح ونواياها الخفية لتثبيت وجود الكيان السرطانى فى جسد المنطقة بكل السبل على حساب الشعب الفلسطينى الأعزل، بل وعلى حساب الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية بمنح وعد “ترامبى” يذكرنا بوعد بلفور سيئ السمعة أو استيلاء أمريكا على قطاع غزة لتعيد بذلك عهود الاستعمار البغيضة التي تحررت منها كل دول العالم ما عدا فلسطين الأبية.. كما أثبتت “ماما أمريكا” أنها مجرد “بيبى سيتر” للدويلة اللقيطة ترعاها وتنفذ لها رغباتها مهما كانت جائرة أو غير منطقية، وأن تدمير غزة بهذا الشكل المُريع الذى لم يشهد التاريخ له مثيلا لم يكن للبحث عن الرهائن، ولا للقضاء على حماس، ولا للدفاع عن النفس، وإنما كان مقصودا لتدمير كل مظاهر الحياة فى القطاع وجعله مكانا غير صالح للحياة ليكون للتهجير مسوغه ومبرره. مخطئ من لا يتعلم من دروس التاريخ، وقد وعى الفلسطينيون الدرس جيدا؛ لذلك فهُم يدركون ما يُحاك لهم للوقوع فى براثن نكبة ثانية وهم ما زالوا يدفعون فاتورة النكبة الأولى عام 1948 حيث دُمرت بيوتهم وطُردوا منها وأصبحوا لاجئين، لتذهب آمالهم فى العودة أدراج الرياح بينما كان موقف مصر حاسما وصريحا بلا مواربة (لا للتهجير أو الاستيلاء على غزة) وإلا… ولأن شر البلية ما يُضحك فقد ذكَّرنى موقف هذا “الترامب” بمشهد للعبقرى عادل أدهم مع يونس شلبى فى فيلم “الفرن”، وكأن بلطجى البيت (الأسود) يتقمص شخصية “المفترى” التى جسَّدها عادل أدهم فى الفيلم عندما طالبه يونس شلبى بحقه فى “الفرن” الذى اغتصبه عنوة دون وجه حق، فسأل باستخفاف: الحق اللى يمشى ولا الزور؟ فردَّ شلبى بثقة: الحق اللى يمشى يا معلم. فردَّ ترامب –أقصد أدهم-: طب ما تمشى ياض!!