ضمن مجموعتي “ورقات أدبية “ اخترت هذا النص “عبور الابداع “ الباحثة والناقدة د/آمال بوحرب تونس إن الإنسان، في سعيهِ نحو النجاح، يظل كينبوعِ شكّ متدفِّق، يذرعه الظنّ أنّ التكريم زَبد عابر، يُلبِسُ مَن يَستحقّ، ومَن لا يَستحقّ، ثَوباً واحدًا لكنّ الحقيقةَ التي لا ندركها إلا عن التجربة أنّ التكريم الحقيقي لا يأتي إلا من خلال الإخلاص للفن والإبداع، وليس من خلال المظاهر الزائفة أو الألقاب البراقة.
أمّا التاريخ، فهو الحَكَمُ الأعدل، وحُكّامُهُ لا يُنصِتونَ لِضَجيج المديح الزائف إنّهم يَختَرِقونَ الزّيف، ويَخْطُّونَ بِماءِ الذهب كلمات خالدة: “هَذا إبداع.. يخلد في الذاكرة بنفسه ويفرض الاعتراف به فالتاريخ لا يذكر إلا مَن قدّمَ للعالم شيئاً أصيلاً، مَن تركَ بصمةً لا تُمحى في سجلِّ الزمن.
فليتَ النجاح يُختَزَل في وَسَاطة هشّة، لكنّه تجربة إبداعية قاسية بل نهر عظيم يَجرفُ مَن لا يَصهرُه الإبداع في أعماقه، أو يَنسحِب مَن لا يَرْضَى أن تُلَيّن أياديهِ صَبر السنين، لأن الإبداع رحلة طويلة من التضحيات والعمل الدؤوب، حيث تُصقل المواهب وتُبنى العِظات من تراب التجارب.
فليصبر كلُّ مَنْ كَتبَ الحروفَ بِرُوحهِ، ويعتز بما قدّمه، فالشهادات تبلى، والحصى تَذروها الريح، أمّا الكلمات الصادقة، فَتَبقى سِوارًا في مِعصَم الزمن، شاهدة على عظمة صاحبها. ولعلنا نذكر ما قاله الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: “ما لا يقتلني يجعلني أقوى”، وهذا جوهر الإبداع والنجاح، فالتحديات والصعوبات التي تواجه المبدع هي التي تُصقل موهبته وتجعل إبداعه خالداً.
وفي النهاية، نصيحة من قلبٍ رأى العُمر يَمضي: لا تَبع حُروفَكَ لقباً، فالحقيقة أبقى والإبداع الحقيقي لا يُقاس بالألقاب أو الجوائز، بل بقدرته على البقاء والتأثير في نفوس الآخرين. وهكذا يكون النجاح الأدبي والفكري حقيقياً، عندما ينبع من الروح ويُخلّد في قلوب الناس وعقولهم كما قال الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو: “الإبداع هو ذاك الذكاء الذي يلهو”، لأنه يشعرنا بمتعة وحرية، فما أجمل أن نطلق العنان للخيال والروح لتخلق شيئاً جديداً ومميزاً وصادقاً.