اليد المرتعشة لا تسمح للسبابة بالضغط على الزناد، فإن تم ذلك ستنفجر الكارثة. نعم، في زمن صنفت أفكار الحكيم بالسفاهة و صنفت حماقة السفهاء بلغة الحق و الكفاءة، ضاع كلام العرب، فسقط إلى الأبد بحجة أن التحولات الجيوسياسية هي السبب. لكن حين يباع الضمير وتنعدم الأخلاق والقيم، و يهان الفقير و يفقد الصدق و يستفحل الإفتراء و تعم الانتهازية والفساد، وتتضارب المصالح الشخصية وتتزاوج السلطة بالمال، وتصبح مراكز القرار أداة نصب، و يستباح دعم القتل والوحشية والحرب طبقا لقوانين وقرارات الغاب الدولية، و ينتشر الجهل و تتجمد الحياة، و يطغى السياسيون على شعوبهم، سيصبح حينها المستقبل كالسفينة دون ربان، والشعوب لا قيمة لها في الأوطان، والأرض المغتصبة مجرد خريطة على الجدران، أو رسما شفافا على صفحات مقررات مادة الجغرافية للتبيان. هكذا ابتليت الشعوب العربية بشريحة من المسؤولين أصحاب النفوس الخبيثة، الفاشلين المتملقين المتمسكين بكراسي المناصب العليا، يهيمن عليهم الغباء المتوارث، يستعينون بموظفين أغبياء عوض الكفاءات الأوفياء، خوفا من اكتشاف نقط ضعفهم و غبائهم ليظلوا دوما هم الأقوياء. وبناء على ما سبق، تستند رؤية مفهوم العقل عند المسؤول العربي على أنها مجرد تخطيط لعمليات النصب والاحتيال وتكديس الثروات و الجمع بين المناصب، بعيدا عن متطلبات الشعوب التي تعيش في حالة سراح مؤقت، أسرى لثقافة الخوف والإنبطاح من أجل الخلود. عكس مفهوم العقل عند المسؤول الغربي الذي يعتمد على العمل الدؤوب والإخلاص في خدمة الشعوب، تفاديا للمتابعة القضائية و تنفيد البنود. ونظرا لتعدد الدواعي، فالإنسان لا يكره الآخر ،بل يكره الصورة التي يكونها عنه ،وهذه الصورة ليست للآخر بل إنها لمن يكره الآخر. لذا يمكن اعتبار الفساد أسوأ من الكذب، هذا الأخير يفسد أخلاق الفرد، لكن الفساد يفسد أخلاق الأمة والبلد بأكملهما. فلا يخفى على أحد أن كلام الناس كالصخرة، إما أن تغامر بحملها على ظهرك فتنكسر ضلوعك ،أو تبني بها برجا شاهقاً تحت قدميك فترتفع و تسمو. فليتأكد الجميع أن جلهم يفترون: السياسي لا يحب وطنه، والشاعر العاطفي ليس لديه إحساس ولا مشاعر ، وأغلب رجال الدين والوعاض لا يعرفون الله. إنها تسريبات من قاعة الإنتظار، تؤشر على أن دور أمريكا هو الفعال في إعداد الطبخة السياسية للدول العربية باحتيال، فتسهر أوروبا على تقديمها في طبق من ذهب، لتنعم إسرائيل بالتهامها، حيث يتكلف العربي بغسل الأواني في انتظار انتهاء مدة صلاحيته التي تقرر في ثواني.