المعروف أن المحكمة الجنائية الدولية قد تأسست على غرار *محكمة نورمبرج لتحاكم أفرادًا* على عكس محكمة العدل الدولية التى تختص فقط بمحاكمة الدول. وحينما شنت إسرائيل حربها على قطاع غزة وارتكبت ضد أهلها دون تمييز بين نساء وأطفال وشيوخ أبشع المجازر التاريخية وأحالت مرافق الحياة فيها من منازل ومستشفيات ومدارس إلى تراب، أقيمت بالتزامن دعوتان قضائيتان:
*إحداهما* أمام محكمة العدل الدولية رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل تأسيسًا على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المبرمة عام *1949* وقد أصدرت المحكمة فيها ثلاثة أوامر قضائية تقضى باتخاذ تدابير مؤقتة ضد إسرائيل.
أما بالنسبة *للمحكمة الجنائية* الدولية فقد سبق أن تقدم إليها المدعى العام بطلب إصدار أوامر اعتقال ضد **نتنياهو وجالانت وهنية والسنوار ومحمد ضيف* وعندما نظرت المحكمة وقائع القضية تشكلت عقيدتها أن الأفعال الإجرامية المنسوبة لنتنياهو ووزير دفاعه تدخل فى صميم اختصاصها
ورفضت طلبين تقدمت بهما إسرائيل إليها فى سبتمبر *2024* تضمن *أولهما* طعنًا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وفى *الثانى* طلبت إسرائيل من المحكمة إحالة التحقيق فى الاتهامات المنسوبة إلى رئيس وزرائها ووزير دفاعه إلى القضاء الإسرائيلى لاختصاصه بالتحقيق فيها. والواقع أن النظام القانونى للمحكمة الجنائية الدولية منذ إنشائها عام 1998، يتسم بميزة هامة ألا وهى *أنها تتيح إمكانية التحايل على عقبة الحصانة الدبلوماسية لمحاكمة القادة فى مناصبهم أو القادة العسكريين،*
لا سيما عندما لا يكون من الممكن فرض عقوبات دولية عليهم بسبب *حق النقض* فى مجلس الأمن. وصدور مذكرة الاعتقال منها من شأنه إعاقة سفر الشخص المقصود بالاعتقال، ويتوجب على الدول الأطراف فى المحكمة الجنائية الدولية، وعددها *124* *دولة* ، إحالته إلى المحكمة إذا أتيحت لها الفرصة وهذا ما *يفسر إحجام فلاديمير بوتين عن حضور قمة البريكس فى جوهانسبرج* فى أغسطس *2023* لصدور مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة بسبب حربه على أوكرانيا،
وبالتالى فإن الدول الأعضاء الـ26 فى الاتحاد الأوروبى التى تعترف بالمحكمة- بما فى ذلك *فرنسا وألمانيا* – ستجد نفسها فى موقف حرج وصعب إذا وافقت على إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين، ولن تتوانى جمعيات حقوق الإنسان والناشطين عن تذكيرها بالتزاماتها الدولية، خاصة أن 93 دولة طرفًا، من بينها 21 دولة من الاتحاد الأوروبى، وقعت مؤخرًا على إعلان دعم للمحكمة الجنائية الدولية، أطلقته خمس دول ( *بلجيكا، فلسطين، تشيلى، السنغال وسلوفينيا* ).
منذ صدور حكم محكمة العدل ضد إسرائيل ومذكرة الاعتقال من المحكمة الجنائية بحق رئيس وزرائها ووزير دفاعه انهالت عليهما سهام النقد والاستنكار من معظم الحكومات الغربية وعلى الضد من مواقفها الرسمية المؤيدة لإسرائيل
خرجت فى شوارعها *مظاهرات* شعبية حاشدة تندد بإسرائيل وتطالب بمحاكمة نتنياهو ووزير دفاعه بعدما شاهد العالم كله على شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعى *الإبادة البشرية* الممنهجة التى يمارسها الجيش الإسرائيلى بدم بارد على الشعب الفلسطينى بكل فئاته والدمار الشامل لقطاع غزة.
لهذا السبب
فإن الدول الكبرى تجد نفسها فى أصعب مأزق تاريخى لها: فإما أن تدهس العدالة الدولية التى أسستها من أجل حماية نتنياهو وإما أن تضحى بنتنياهو احترامًا للعدالة.